الشرط الثالث : أن يكون ، لحصول غلبة الظن بصدقه فيما يرويه . ضبطه لما يسمعه أرجح من عدم ضبطه ، وذكره له أرجح من سهوه
وإلا ، فبتقدير رجحان مقابل كل واحد من الأمرين عليه أو معادلته له فروايته لا تكون مقبولة لعدم حصول الظن بصدقه ، إما على أحد التقديرين فلكون صدقه مرجوحا ، وإما على التقدير الآخر فلضرورة التساوي .
وإن جهل حال الراوي في ذلك ، كان الاعتماد على ما هو الأغلب من حال الرواة ، وإن لم يعلم الأغلب من ذلك ، فلا بد من الاختبار والامتحان .
فإن قيل إنه وإن غلب السهو على الذكر أو تعادلا فالراوي عدل ، والظاهر منه أنه لا يروي إلا ما يثق من نفسه بذكره له وضبطه .
ولهذا فإن الصحابة أنكرت على كثرة روايته ، حتى قالت أبي هريرة عائشة رضي الله عنها : رحم الله ، لقد كان رجلا مهزارا في حديث المهراس أبا هريرة [1] ومع ذلك قبلوا أخباره ، لما كان الظاهر من حاله أنه لا يروي إلا ما يثق من نفسه بضبطه وذكره .
وأيضا فإن الخبر دليل والأصل فيه الصحة ، فتساوي الضبط والاختلال والذكر والنسيان غايته أنه موجب للشك في الصحة ، والشك في ذلك لا يقدح في الأصل ، كما إذا كان متطهرا ، ثم شك بعد ذلك أنه محدث أو طاهر فإن الأصل هاهنا لا يترك بهذا الشك .
[ ص: 76 ] قلنا : إذا كان الغرض [2] إنما هو غلبة السهو أو التعادل ، فالراوي وإن كان الغالب من حاله أنه لا يروي إلا ما يظن أنه ذاكر له ، فذلك لا يوجب حصول الظن بصحة روايته ؛ لأن من شأنه النسيان يظن أنه ما نسي ، وإن كان ناسيا .
وأما إنكار الصحابة على كثرة الرواية ، فلم يكن ذلك لاختلال ضبطه وغلبة النسيان عليه ، بل لأن الإكثار مما لا يؤمن معه اختلال الضبط الذي لا يعرض لمن قلت روايته وإن كان ذلك بعيدا . أبي هريرة
وما قيل من أن الخبر دليل ، والأصل فيه الصحة ، فلا يترك بالشك .
قلنا : إنما يكون دليلا ، والأصل فيه الصحة ، إذا كان مغلبا على الظن ، ومع عدم ترجيح ذكر الراوي على نسيانه لا يكون مغلبا على الظن فلا يكون دليلا لوقوع التردد في كونه دليلا لا في أمر خارج عنه ، ولا كذلك فيما إذا شك في الحدث ، ثم تيقن سابقة الطهارة ، فإن تيقن الطهارة السابقة لا يقدح فيه الشك الطارئ ، وبالنظر إليه يترجح إليه أحد الاحتمالين ، فلا يبقى معه الشك في الدوام حتى إنه لو بقي الشك مع النظر إلى الأصل ، لما حكم بالطهارة .