[ ص: 179 ] المسألة التاسعة
، أو فعلت فيه على نوع من الخلل ، اختلفوا في وجوب قضائها بعد ذلك الوقت هل هو بالأمر الأول أو بأمر مجدد ؟ إذا ورد الأمر بعبادة في وقت مقدر فلم تفعل فيه لعذر أو لغير عذر
الأول هو مذهب الحنابلة وكثير من الفقهاء ، والثاني هو مذهب المحققين من أصحابنا والمعتزلة .
ونقل عن أنه قال بوجوب القضاء بقياس الشرع . أبي زيد الدبوسي
وإن ورد مطلقا غير مقيد بوقت فمن قال بحمله على الفور .
اختلفوا فيما إذا وقع الإخلال به في أول وقت الإمكان هل يجب قضاؤه بنفس ذلك الأمر أو بأمر مجدد ؟
والمختار أنه مهما قيد الأمر بوقت فالقضاء بعده لا يكون إلا بأمر مجدد .
وبيانه من وجوه :
الأول : أنه لو كان الأمر الأول مقتضيا للقضاء لكان مشعرا به ، وهو غير مشعر به ، فإنه إذا قال " صم في يوم الخميس أو صل في وقت الزوال " فإنه لا إشعار له بإيقاع الفعل في غير ذلك الوقت لغة .
الثاني : أنه إذا علق الفعل بوقت معين فلا بد وأن يكون ذلك لحكمة ترجع إلى المكلف إذ هو الأصل في شرع الأحكام .
وسواء ظهرت الحكمة أم لم تظهر ، وتلك الحكمة إما أن تكون حاصلة من الفعل في غير ذلك الوقت ، أو غير حاصلة وليست حاصلة لثلاثة أوجه :
الأول : أنه يحتمل أن يكون ويحتمل أن لا يكون ، والأصل العدم .
الثاني : أنها لو كانت حاصلة فإما أن تكون مثلا لها في الوقت الأول أو أزيد ، لا جائز أن تكون أزيد وإلا كان الحث على إيجاد الفعل بعد فوات وقته أولى من فعله في الوقت وهو محال ، وإن كانت مثلا فهو ممتنع ، وإلا لما كان تخصيص أحد الوقتين بالذكر أولى من الآخر .
[ ص: 180 ] الثالث : أن الفعل في الوقت موصوف بكونه أداء ، وقد قال - عليه السلام - [1] : " " . لن يتقرب المتقربون إلي بمثل أداء ما افترضت عليهم
وإذا لم تكن حاصلة في الوقت الثاني حسب حصولها في الوقت الأول ، فلا يلزم من اقتضاء الأمر للفعل في الوقت الأول أن يكون مقتضيا له فيما بعده .
وصار هذا كما لو أمر الطبيب بشرب الدواء في وقت فإنه لا يكون متناولا لغير ذلك الوقت .
وكذلك إذا كاستقبال جهة معينة ، أو بمكان معين كالأمر بالوقوف علق الأمر بشرط معين بعرفة ، فإنه لا يكون متناولا لغيره .
الوجه الثالث من الوجوه الأول : هو أن العبادات المأمور بها منقسمة إلى ما يجب قضاؤه كالصوم والصلاة ، وإلى ما لا يجب كالجمعة والجهاد ، فلو كان الأمر الأول مقتضيا للقضاء لكان القول بعدم القضاء فيما فرض من الصور على خلاف الدليل ، وهو ممتنع .
الرابع : قوله - صلى الله عليه وسلم - : " " أمر بالقضاء ، ولو كان مأمورا به بالأمر الأول لكانت فائدة الخبر التأكيد ، ولو لم يكن مأمورا به لكانت فائدته التأسيس ، وهو أولى لعظم فائدته . من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها
فإن قيل : ما ذكرتموه معارض من خمسة أوجه :
الأول : قوله - صلى الله عليه وسلم - : " " ومن فاته الوقت الأول فهو مستطيع للفعل في الوقت الثاني . إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم
الثاني : أن الأمر إنما يدل على طلب الفعل ، وهو مقتضاه ، وأما الزمان فلا يكون مطلوبا بالأمر إذ ليس هو من فعل المكلف ، وإنما وقع ذلك ضرورة كونه ظرفا للفعل ، فاختلاله لا يؤثر في مقتضى الأمر وهو الفعل .
الثالث : أن الغالب من المأمورات في الشرع إنما هو القضاء بتقدير فوات أوقاتها المعينة ، ولا بد لذلك من مقتض ، والأصل عدم كل ما سوى الأمر السابق ، فكان هو المقتضى .
[ ص: 181 ] الرابع : أنه لو وجب القضاء بأمر مجدد لكان أداء كما في الأمر الأول ، ولما كان لتسميته قضاء معنى .
الخامس : أن العبادة حق لله تعالى ، والوقت المفروض كالأجل لها ، ففوات أجلها لا يوجب سقوطها كما في الدين للآدمي ، ولأنه لو سقط وجوب الفعل بفوات الوقت لسقط المأثم لأنه من أحكام وجوب الفعل ، ولأن الأصل بقاء الوجوب ، فالقول بالسقوط بفوات الأجل على خلاف مقتضى الأصل .
والجواب عن المعارضة الأولى : أن الخبر دليل وجوب الإتيان بما استطيع من المأمور به ، وإنما يفيد أن لو كان الفعل في الوقت الثاني داخلا تحت الأمر الأول ، وهو محل النزاع .
وعن الثاني : أن الأمر اقتضى مطلق الفعل أو فعلا مخصوصا بصفة وقوعه في وقت معين ، الأول ممنوع ، والثاني مسلم .
وعن الثالث أن القضاء فيما قيل بقضائه إنما كان بناء على أدلة أخرى ، لا بالأمر الأول .
قولهم الأصل عدم ما سوى الأمر الأول ، قلنا : والأصل عدم دلالة الأمر الأول عليه ، كيف وقد بينا عدم دلالته ؟
وعن الرابع أنه إنما سمي قضاء لكونه مستدركا لما فات من مصلحة الفعل المأمور به أولا ، أو مصلحة وصفه كما تقدم تحقيقه .
وعن الخامس بمنع كون الوقت أجلا للفعل المأمور به ، إذ الأجل عبارة عن وقت مهلة وتأخير المطالبة بالواجب من أوله إلى آخره ، كما في الحول بالنسبة إلى وجوب الزكاة .
ولذلك لا يأثم بإخراج وقت الأجل عن قضاء الدين ، وإخراج الحول عن أداء الزكاة فيه ، ولا كذلك الوقت المقدر للصلاة ، بل هو صفة الفعل الواجب .
ومن وجب عليه فعل بصفة لا يكون مؤديا له دون تلك الصفة .
وعلى هذا فلا يخفى الكلام في الأمر المطلق إذا كان محمولا على الفور ، ولم يؤت بالمأمور به في أول وقت الإمكان .