الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          المسألة الأولى [1] اتفق العلماء على أن العموم من عوارض الألفاظ حقيقة ، واختلفوا في عروضه حقيقة للمعاني فنفاه الجمهور وأثبته الأقلون .

          وقد احتج المثبتون بقولهم الإطلاق شائع ذائع في لسان أهل اللغة بقولهم : عم الملك الناس بالعطاء والإنعام ، وعمهم المطر والخصب والخير وعمهم القحط .

          وهذه الأمور من المعاني لا من الألفاظ .

          والأصل في الإطلاق الحقيقة .

          أجاب النافون بأن الإطلاق في مثل هذه المعاني مجاز لوجهين : الأول : أنه لو كان حقيقة في المعاني لاطرد في كل معنى إذ هو لازم الحقيقة ، وهو غير مطرد .

          ولهذا فإنه لا يوصف شيء من الخاصة الواقعة في امتداد الإشارة إليها كزيد وعمرو بكونه عاما لا حقيقة ولا مجازا .

          الثاني : أن من لوازم العام أن يكون متحدا ومع اتحاده متناولا لأمور متعددة من جهة واحدة .

          والعطاء والإنعام الخاص بكل واحد من الناس غير الخاص بالآخر منها ، وكذلك المطر فإن كل جزء اختص منه بجزء من الأرض لا وجود له بالنسبة إلى الجزء الآخر منها ، وكذلك الكلام في الخصب والقحط فلم يوجد من [ ص: 99 ] ذلك ما هو مع اتحاده يتناول أشياء من جهة واحدة ، فلم يكن عاما حقيقة بخلاف اللفظ الواحد كلفظ الإنسان والفرس .

          أجاب المثبتون عن الأول :

          بأن العموم وإن لم يكن مطردا في كل معنى ، فهو غير مطرد في كل لفظ ، فإن أسماء الأعلام كزيد وعمرو ونحوه لا يتصور عروض العموم لها لا حقيقة ولا مجازا ، فإن كان عدم اطراده في المعاني مما يبطل عروضه للمعاني حقيقة فكذلك في الألفاظ ، وإن كان ذلك لا يمنع في الألفاظ فكذلك في المعاني ، ضرورة عدم الفرق .

          وعن الوجه الثاني : أنه وإن تعذر عروض العموم للمعاني الجزئية الواقعة في امتداد الإشارة إليها حقيقة ، فليس في ذلك ما يدل على امتناع عروضه للمعاني الكلية المتصورة في الأذهان ، كالمتصورة من معنى الإنسان المجرد عن الأمور الموجبة لتشخيصه وتعيينه ، فإنه مع اتحاده فمطابق لمعناه وطبيعته لمعاني الجزئيات الداخلة تحته من زيد وعمرو من جهة واحدة كمطابقة اللفظ الواحد العام لمدلولاته .

          وإذا كان عروض العموم للفظ حقيقة إنما كان لمطابقته مع اتحاده للمعاني الداخلة تحته من جهة واحدة .

          فهذا المعنى بعينه متحقق في المعاني الكلية بالنسبة إلى جزئياتها ، فكان العموم من عوارضها حقيقة .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية