[ ص: 289 ] المسألة الأولى
nindex.php?page=treesubj&link=21178شرط صحة الاستثناء عند أصحابنا وعند الأكثرين أن يكون متصلا بالمستثنى منه حقيقة ، من غير تخلل فاصل بينهما أو في حكم المتصل ، وهو ما لا يعد المتكلم به آتيا به بعد فراغه من كلامه الأول عرفا ، وإن تخلل بينهما فاصل بانقطاع النفس أو سعال مانع من الاتصال حقيقة .
ونقل عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه كان يقول بصحة الاستثناء المنفصل ، وإن طال الزمان شهرا .
وذهب بعض أصحاب
مالك إلى جواز
nindex.php?page=treesubj&link=27851تأخير الاستثناء لفظا ، لكن مع إضمار الاستثناء متصلا بالمستثنى منه ، ويكون المتكلم به مدينا فيما بينه وبين الله - تعالى - .
ولعله مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس .
وذهب بعض الفقهاء إلى صحة
nindex.php?page=treesubj&link=21179الاستثناء المنفصل في كتاب الله - تعالى - دون غيره .
حجة القائلين بالاتصال من ثلاثة أوجه : الأول : ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355264من حلف على شيء فرأى غيره خيرا منه ، فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه " وروي : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355265فليكفر عن يمينه وليأت الذي هو خير " .
[1]
ولو كان الاستثناء المنفصل صحيحا لأرشد النبي - صلى الله عليه وسلم - إليه لكونه طريقا مخلصا للحالف عند تأمل الخير في البر وعدم الحنث ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما يقصد التيسير والتسهيل ولا يخفى أن الاستثناء أيسر وأسهل من التكفير ، فحيث لم يرشد إليه دل على عدم صحته .
الثاني : أن أهل اللغة لا يعدون ذلك كلاما منتظما ولا معدودا من كلام العرب ، ولهذا فإنه لو قال : لفلان علي عشرة دراهم ، ثم قال بعد شهر أو سنة : إلا درهما ، وقال : رأيت بني تميم ، ثم قال بعد شهر : إلا زيدا ، فإنه لا يعد استثناء ولا كلاما صحيحا كما لو قال : رأيت زيدا ، ثم قال بعد شهر : قائما ، فإنهم لا يعدونه بذلك مخبرا عن زيد بشيء ، وكذلك لو قال السيد لعبده : أكرم زيدا ، ثم قال بعد شهر : إن دخل داري ، فإنهم لا يعدون ذلك شرطا .
[ ص: 290 ] الثالث : أنه لو قيل بصحة الاستثناء المنفصل لما علم صدق صادق ، ولا كذب كاذب ، ولا حصل وثوق بيمين ، ولا وعد ولا وعيد ، ولا حصل الجزم بصحة عقد نكاح وبيع وإجارة ، ولا لزوم معاملة أصلا ؛ لإمكان الاستثناء المنفصل ولو بعد حين ، ولا يخفى ما في ذلك من التلاعب وإبطال التصرفات الشرعية ، وهو محال .
احتج الخصوم بأربعة أمور : الأول : ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355266والله لأغزون قريشا " ثم سكت وقال بعده : " إن شاء الله " ، ولولا صحة الاستثناء بعد السكوت لما فعله لكونه مقتدى به .
وأيضا ما روي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه سألته اليهود عن عدة أهل الكهف وعن مدة لبثهم فيه ، فقال : غدا أجيبكم ، ولم يقل : إن شاء الله فتأخر عنه الوحي مدة بضعة عشر يوما ، ثم نزل عليه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=22ما يعلمهم إلا قليل فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا ) إلى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=23ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=24إلا أن يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت ) .
فقال : إن شاء الله بطريق الإلحاق بخبره الأول
[2] .
ولو لم يكن ذلك صحيحا لما فعله .
الثاني : أن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ترجمان القرآن ، ومن أفصح فصحاء العرب ، وقد قال بصحة الاستثناء المنفصل ، وذلك يدل على صحته .
الثالث : أن الاستثناء بيان وتخصيص للكلام الأول ، فجاز تأخيره كالنسخ والأدلة المنفصلة المخصصة للعموم .
الرابع : أن الاستثناء رافع لحكم اليمين فجاز تأخيره كالكفارة .
[ ص: 291 ] والجواب عن الخبر الأول : أن سكوته قبل الاستثناء يحتمل أنه من السكوت الذي لا يخل بالاتصال الحكمي كما أسلفناه ، ويجب الحمل عليه موافقة لما ذكرناه من الأدلة .
وعن الخبر الثاني : أن قوله - صلى الله عليه وسلم - : " إن شاء الله " ليس عائدا إلى خبر الأول ، بل إلى ذكر ربه إذا نسي ، تقديره : أذكر ربي إذا نسيت إن شاء الله .
وذلك كما إذا قال القائل لغيره : افعل كذا فقال : إن شاء الله ، أي أفعل إن شاء الله .
وعن المنقول عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : إن صح ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=11 [3] فلعله كان يعتقد صحة إضمار الاستثناء ، ويدين المكلف بذلك فيما بينه وبين الله - تعالى - وإن تأخر الاستثناء لفظا وهو غير ما نحن فيه ، وإن لم يكن كذلك فهو أيضا مخصوم بما ذكرناه من الأدلة واتفاق أهل اللغة على إبطاله ممن سواه .
وعن الوجه الثالث : أنه قياس في اللغة فلا يصح لما سبق .
ثم هو منقوض بالخبر والشرط كما سبق .
كيف والفرق بين التخصيص والاستثناء واقع من جهة الجملة ، من حيث إن التخصيص قد يكون بدليل العقل والحس ؟ ولا كذلك الاستثناء ، وبينه وبين النسخ ، أن النسخ مما يمتنع اتصاله بالمنسوخ بخلاف الاستثناء .
وعن الوجه الرابع بالفرق : وهو أن الكفارة رافعة لإثم الحنث لا لنفس الحنث ، والاستثناء مانع من الحنث ، فما التقيا في الحكم حتى يصح قياس أحدهما على الآخر .
كيف ، وإن الخلاف إنما وقع في صحة الاستثناء المنفصل من جهة اللغة لا من جهة الشرع ، ولا قياس في اللغة على ما سبق ؟
[ ص: 289 ] الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى
nindex.php?page=treesubj&link=21178شَرْطُ صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَعِنْدَ الْأَكْثَرِينَ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ حَقِيقَةً ، مِنْ غَيْرِ تَخَلُّلِ فَاصِلٍ بَيْنَهُمَا أَوْ فِي حُكْمِ الْمُتَّصِلِ ، وَهُوَ مَا لَا يُعَدُّ الْمُتَكَلِّمُ بِهِ آتِيًا بِهِ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ كَلَامِهِ الْأَوَّلِ عُرْفًا ، وَإِنْ تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا فَاصِلٌ بِانْقِطَاعِ النَّفَسِ أَوْ سُعَالٍ مَانِعٍ مِنَ الِاتِّصَالِ حَقِيقَةً .
وَنُقِلَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ بِصِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْفَصِلِ ، وَإِنْ طَالَ الزَّمَانُ شَهْرًا .
وَذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِ
مَالِكٍ إِلَى جَوَازِ
nindex.php?page=treesubj&link=27851تَأْخِيرِ الِاسْتِثْنَاءِ لَفْظًا ، لَكِنْ مَعَ إِضْمَارِ الِاسْتِثْنَاءِ مُتَّصِلًا بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ ، وَيَكُونُ الْمُتَكَلِّمُ بِهِ مَدِينًا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ - تَعَالَى - .
وَلَعَلَّهُ مَذْهَبُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ .
وَذَهَبَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ إِلَى صِحَّةِ
nindex.php?page=treesubj&link=21179الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْفَصِلِ فِي كِتَابِ اللَّهِ - تَعَالَى - دُونَ غَيْرِهِ .
حُجَّةُ الْقَائِلِينَ بِالِاتِّصَالِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ : الْأَوَّلُ : مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355264مَنْ حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ فَرَأَى غَيْرَهُ خَيْرًا مِنْهُ ، فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ " وَرُوِيَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355265فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ وَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ " .
[1]
وَلَوْ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ الْمُنْفَصِلُ صَحِيحًا لَأَرْشَدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَيْهِ لِكَوْنِهِ طَرِيقًا مُخَلِّصًا لِلْحَالِفِ عِنْدَ تَأَمُّلِ الْخَيْرِ فِي الْبِرِّ وَعَدَمِ الْحِنْثِ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّمَا يَقْصِدُ التَّيْسِيرَ وَالتَّسْهِيلَ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ أَيْسَرُ وَأَسْهَلُ مِنَ التَّكْفِيرِ ، فَحَيْثُ لَمْ يُرْشِدْ إِلَيْهِ دَلَّ عَلَى عَدَمِ صِحَّتِهِ .
الثَّانِي : أَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ لَا يَعُدُّونَ ذَلِكَ كَلَامًا مُنْتَظِمًا وَلَا مَعْدُودًا مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ ، وَلِهَذَا فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ : لِفُلَانٍ عَلَيَّ عَشْرَةُ دَرَاهِمَ ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ شَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ : إِلَّا دِرْهَمًا ، وَقَالَ : رَأَيْتُ بَنِي تَمِيمٍ ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ شَهْرٍ : إِلَّا زَيْدًا ، فَإِنَّهُ لَا يُعَدُّ اسْتِثْنَاءً وَلَا كَلَامًا صَحِيحًا كَمَا لَوْ قَالَ : رَأَيْتُ زَيْدًا ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ شَهْرٍ : قَائِمًا ، فَإِنَّهُمْ لَا يَعُدُّونَهُ بِذَلِكَ مُخْبِرًا عَنْ زَيْدٍ بِشَيْءٍ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ : أَكْرِمْ زَيْدًا ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ شَهْرٍ : إِنْ دَخَلَ دَارِي ، فَإِنَّهُمْ لَا يَعُدُّونَ ذَلِكَ شَرْطًا .
[ ص: 290 ] الثَّالِثُ : أَنَّهُ لَوْ قِيلَ بِصِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْفَصِلِ لَمَا عُلِمَ صِدْقُ صَادِقٍ ، وَلَا كَذِبُ كَاذِبٍ ، وَلَا حَصَلَ وُثُوقٌ بِيَمِينٍ ، وَلَا وَعْدٌ وَلَا وَعِيدٌ ، وَلَا حَصَلَ الْجَزْمُ بِصِحَّةِ عَقْدِ نِكَاحٍ وَبَيْعٍ وَإِجَارَةٍ ، وَلَا لُزُومُ مُعَامَلَةٍ أَصْلًا ؛ لِإِمْكَانِ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْفَصِلِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ ، وَلَا يَخْفَى مَا فِي ذَلِكَ مِنَ التَّلَاعُبِ وَإِبْطَالِ التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ ، وَهُوَ مُحَالٌ .
احْتَجَّ الْخُصُومُ بِأَرْبَعَةِ أُمُورٍ : الْأَوَّلُ : مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355266وَاللَّهِ لَأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا " ثُمَّ سَكَتَ وَقَالَ بَعْدَهُ : " إِنْ شَاءَ اللَّهُ " ، وَلَوْلَا صِحَّةُ الِاسْتِثْنَاءِ بَعْدَ السُّكُوتِ لَمَا فَعَلَهُ لِكَوْنِهِ مُقْتَدًى بِهِ .
وَأَيْضًا مَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ سَأَلَتْهُ الْيَهُودُ عَنْ عِدَّةِ أَهْلِ الْكَهْفِ وَعَنْ مُدَّةِ لَبْثِهِمْ فِيهِ ، فَقَالَ : غَدًا أُجِيبُكُمْ ، وَلَمْ يَقُلْ : إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَتَأَخَّرَ عَنْهُ الْوَحْيُ مُدَّةَ بِضْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا ، ثُمَّ نَزَلَ عَلَيْهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=22مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا ) إِلَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=23وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=24إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ ) .
فَقَالَ : إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِطَرِيقِ الْإِلْحَاقِ بِخَبَرِهِ الْأَوَّلِ
[2] .
وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ صَحِيحًا لَمَا فَعَلَهُ .
الثَّانِي : أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنَ عَبَّاسٍ تُرْجُمَانُ الْقُرْآنِ ، وَمِنْ أَفْصَحِ فُصَحَاءِ الْعَرَبِ ، وَقَدْ قَالَ بِصِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْفَصِلِ ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهِ .
الثَّالِثُ : أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بَيَانٌ وَتَخْصِيصٌ لِلْكَلَامِ الْأَوَّلِ ، فَجَازَ تَأْخِيرُهُ كَالنَّسْخِ وَالْأَدِلَّةِ الْمُنْفَصِلَةِ الْمُخَصِّصَةِ لِلْعُمُومِ .
الرَّابِعُ : أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ رَافِعٌ لِحُكْمِ الْيَمِينِ فَجَازَ تَأْخِيرُهُ كَالْكَفَّارَةِ .
[ ص: 291 ] وَالْجَوَابُ عَنِ الْخَبَرِ الْأَوَّلِ : أَنَّ سُكُوتَهُ قَبْلَ الِاسْتِثْنَاءِ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مِنَ السُّكُوتِ الَّذِي لَا يُخِلُّ بِالِاتِّصَالِ الْحُكْمِيِّ كَمَا أَسْلَفْنَاهُ ، وَيَجِبُ الْحَمْلُ عَلَيْهِ مُوَافَقَةً لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْأَدِلَّةِ .
وَعَنِ الْخَبَرِ الثَّانِي : أَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " إِنْ شَاءَ اللَّهُ " لَيْسَ عَائِدًا إِلَى خَبَرِ الْأَوَّلِ ، بَلْ إِلَى ذِكْرِ رَبِّهِ إِذَا نَسِيَ ، تَقْدِيرُهُ : أَذْكُرُ رَبِّي إِذَا نَسِيتُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ .
وَذَلِكَ كَمَا إِذَا قَالَ الْقَائِلُ لِغَيْرِهِ : افْعَلْ كَذَا فَقَالَ : إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، أَيْ أَفْعَلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ .
وَعَنِ الْمَنْقُولِ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ : إِنْ صَحَّ ذَلِكَ
nindex.php?page=showalam&ids=11 [3] فَلَعَلَّهُ كَانَ يَعْتَقِدُ صِحَّةَ إِضْمَارِ الِاسْتِثْنَاءِ ، وَيَدِينُ الْمُكَلَّفُ بِذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ - تَعَالَى - وَإِنْ تَأَخَّرَ الِاسْتِثْنَاءُ لَفْظًا وَهُوَ غَيْرُ مَا نَحْنُ فِيهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَهُوَ أَيْضًا مَخْصُومٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْأَدِلَّةِ وَاتِّفَاقِ أَهْلِ اللُّغَةِ عَلَى إِبْطَالِهِ مِمَّنْ سِوَاهُ .
وَعَنِ الْوَجْهِ الثَّالِثِ : أَنَّهُ قِيَاسٌ فِي اللُّغَةِ فَلَا يَصِحُّ لِمَا سَبَقَ .
ثُمَّ هُوَ مَنْقُوضٌ بِالْخَبَرِ وَالشَّرْطِ كَمَا سَبَقَ .
كَيْفَ وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّخْصِيصِ وَالِاسْتِثْنَاءِ وَاقِعٌ مِنْ جِهَةِ الْجُمْلَةِ ، مِنْ حَيْثُ إِنَّ التَّخْصِيصَ قَدْ يَكُونُ بِدَلِيلِ الْعَقْلِ وَالْحِسَّ ؟ وَلَا كَذَلِكَ الِاسْتِثْنَاءُ ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّسْخِ ، أَنَّ النَّسْخَ مِمَّا يَمْتَنِعُ اتِّصَالُهُ بِالْمَنْسُوخِ بِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ .
وَعَنِ الْوَجْهِ الرَّابِعِ بِالْفَرْقِ : وَهُوَ أَنَّ الْكَفَّارَةَ رَافِعَةٌ لِإِثْمِ الْحِنْثِ لَا لِنَفْسِ الْحِنْثِ ، وَالِاسْتِثْنَاءُ مَانِعٌ مِنَ الْحِنْثِ ، فَمَا الْتَقَيَا فِي الْحُكْمِ حَتَّى يَصِحَّ قِيَاسُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ .
كَيْفَ ، وَإِنَّ الْخِلَافَ إِنَّمَا وَقَعَ فِي صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْفَصِلِ مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ لَا مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ ، وَلَا قِيَاسَ فِي اللُّغَةِ عَلَى مَا سَبَقَ ؟