[ ص: 309 ] النوع الثاني - التخصيص بالشرط
والنظر في حده وأقسامه وصيغ الشرط اللغوي وأحكامه
، قال أما حده : هو ما لا يوجد المشروط دونه ، ولا يلزم أن يوجد عند وجوده ، وهو فاسد من وجهين : الأول : أن فيه تعريف الشرط بالمشروط ، والمشروط مشتق من الشرط فكان أخفى من الشرط ، وتعريف الشيء بما هو أخفى منه ممتنع . الغزالي
الثاني : أنه يلزم عليه جزء السبب إذا اتحد ، فإنه لا يوجد الحكم دونه ولا يلزم من وجود الحكم عند وجوده ، وليس بشرط [1] .
وقال بعض أصحابنا : الشرط هو الذي يتوقف عليه تأثير المؤثر في تأثيره لا في ذاته [2] .
وهو فاسد أيضا ، فإن الحياة القديمة شرط في وجود علم الباري - تعالى - وكونه عالما ولا تأثير ولا مؤثر .
والحق في ذلك أن يقال : الشرط هو ما يلزم من نفيه نفي أمر ما على وجه لا يكون سببا لوجوده ولا داخلا في السبب .
ويدخل في هذا الحد شرط الحكم ، وهو ظاهر وشرط السبب من حيث إنه يلزم من نفي شرط السبب انتفاء السبب ، وليس هو سبب السبب ولا جزءه ، وفيه احتراز عن انتفاء الحكم لانتفاء مداركه ، وعن انتفاء المدرك المعين وجزئه .
وهو منقسم إلى شرط عقلي كالحياة للعلم والإرادة ، وإلى شرعي ، كالطهارة للصلاة ، والإحصان للرجم . وإلى لغوي ، وصيغه كثيرة وهي : إن الخفيفة وإذا ومن وما ومهما وحيثما وأينما وإذما .
[ ص: 310 ] وأم هذه الصيغ ( إن ) الشرطية ؛ لأنها حرف ، وما عداها من أدوات الشرط أسماء .
والأصل في إفادة المعاني للأسماء إنما هو الحروف [3] ولأنها تستعمل في جميع صور الشرط بخلاف أخواتها ، فإن كل واحدة منها تختص بمعنى لا تجري في غيره ، ( فمن ) لمن يعقل ، و ( ما ) لما لا يعقل ، و ( إذا ) لما لا بد من وقوعه كقولك : إذا احمر البسر فأتنا ونحو ذلك .
وأما أحكامه : فمنها أنه ، وذلك ضربان : الأول : أن يخرج منه ما علمنا خروجه بدليل آخر كقوله : أكرم يخرج من الكلام ما لولاه لدخل فيه بني تميم أبدا إن استطعت ، فإنه يخرج من الكلام حالة عدم الاستطاعة ، وإن كان ذلك معلوما دون قوله فيكون قوله مؤكدا .
الثاني : أنه يخرج منه ما لا يعلم خروجه دونه كقوله : أكرم بني تميم إن دخلوا الدار ، فإنه يخرج منه حالة عدم دخول الدار ، ولولا الشرط لعم الإكرام جميع الأحوال [4] ، ولم يكن العلم بعدم الإكرام حالة عدم دخول الدار حاصلا لنا ، فكان مخصصا للعموم .
وعلى كل تقدير ، لا يخلو إما أن يتحد الشرط والمشروط ، أو يتعدد المشروط أو بالعكس ، أو يتعددان معا [5] .
، فإن فمثاله ما سبق . اتحد الشرط والمشروط
وأما فإما أن تكون المشروطات على الجمع أو على البدل ، فإن كانت على الجمع كقوله : إن دخل زيد الدار فأعطه دينارا ودرهما ، وإن كانت على البدل كقوله : إن دخل زيد الدار فأعطه دينارا أو درهما فالحكم كما لو اتحد المشروط . إن اتحد الشرط وتعدد المشروط
[ ص: 311 ] وأما إن تعدد الشرط واتحد المشروط فإما أن تكون الشروط على الجمع أو البدل ، فإن كان الأول فكقوله : أكرم بني تميم أبدا إن دخلوا الدار والسوق ، فمقتضى ذلك توقف الإكرام على اجتماع الشرطين ، واختلاله باختلال أحدهما .
وإن كان على البدل كقوله : أكرم بني تميم إن دخلوا السوق أو الدار فمقتضى ذلك توقف الإكرام على تحقق أحد الشرطين ، واختلاله عند اختلالهما جميعا .
وأما إن فإما أن يكون الشرط والمشروط على الجمع أو البدل ، أو الشرط على الجمع ، والمشروطات على البدل أو بالعكس . تعدد الشرط والمشروط
فإن كان القسم الأول ، كقوله : إن دخل زيد الدار والسوق فأعطه درهما ودينارا ، فالإعطاء متوقف على اجتماع الشرطين ومختل باختلالهما أو باختلال أحدهما .
وإن كان القسم الثاني ، فكقوله : إن دخل زيد الدار أو السوق فأعطه درهما أو دينارا ، فإعطاء أحد الأمرين متوقف على تحقق أحد الشرطين ، واختلاله باختلال مجموع الأمرين .
وإن كان القسم الثالث كقوله : إن دخل زيد الدار والسوق فأعطه درهما أو دينارا فإعطاء أحد الأمرين متوقف على اجتماع الشرطين ، واختلاله باختلال أحدهما .
وإن كان الرابع كقوله : إن دخل زيد الدار أو السوق فأعطه درهما ودينارا ، فإعطاء الأمرين متوقف على أحد الشرطين ومختل باختلالهما معا ، وسواء كان حصول الشرط دفعة أو لا دفعة ، بل شيئا فشيئا .
، وإنه يجوز تقديمه على المشروط وتأخيره ، وإن كان الوضع الطبيعي له إنما هو صدر الكلام ، والتقدم على المشروط لفظا لكونه متقدما عليه في الوجود طبعا . ومن أحكامه : أنه لا بد من اتصاله بالمشروط لما تقدم في الاستثناء
ولو تعقب الشرط للجمل المتعاقبة فقد اتفق الشافعي وأبو حنيفة على عوده ، خلافا لبعض النحاة في اعتقاده اختصاصه بالجملة التي تليه كانت متقدمة أو متأخرة .
والكلام في الطرفين فعلى ما سبق في الاستثناء .
والمختار كالمختار ، ولا يخفى وجهه .