الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          وأما مفهوم المخالفة فهو ما يكون مدلول اللفظ في محل السكوت مخالفا لمدلوله في محل النطق ، ويسمى دليل الخطاب أيضا ، وهو عند القائلين به منقسم إلى عشرة أصناف متفاوتة في القوة والضعف .

          [ ص: 70 ] الصنف الأول : منها ذكر الاسم العام مقترنا بصفة خاصة كقوله - صلى الله عليه وسلم - : " في الغنم السائمة زكاة " .

          الصنف الثاني : مفهوم الشرط والجزاء كقوله تعالى : ( وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن ) وقوله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه " .

          [1] الصنف الثالث : مفهوم الغاية كقوله تعالى : ( فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره ) وقوله تعالى : ( ولا تقربوهن حتى يطهرن ) ، و ( حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ) .

          الصنف الرابع : مفهوم إنما كقوله - صلى الله عليه وسلم - : " إنما الأعمال بالنيات " .

          " وإنما الربا في النسيئة " .

          " وإنما الولاء لمن أعتق " .

          " وإنما الشفعة فيما لم يقسم إلى نظائره " .

          الصنف الخامس : التخصيص بالأوصاف التي تطرأ وتزول بالذكر كقوله - صلى الله عليه وسلم - : " الثيب أحق بنفسها من وليها " .

          وقوله - عليه الصلاة والسلام - ( في السائمة زكاة ) .

          الصنف السادس : مفهوم اللقب ، وذلك كتخصيص الأشياء الستة في الذكر بتحريم الربا .

          [2] الصنف السابع : مفهوم الاسم المشتق الدال على الجنس ، كقوله - صلى الله عليه وسلم - : " لا تبيعوا الطعام بالطعام " وهو قريب من مفهوم اللقب لكون الطعام لقبا لجنس .

          الصنف الثامن : مفهوم الاستثناء ، كقوله تعالى : ( لا إله إلا الله ) وقول القائل : ( لا عالم في البلد إلا زيد ) .

          الصنف التاسع : تعليق الحكم بعدد خاص ، كتخصيص حد القذف بثمانين .

          الصنف العاشر : مفهوم حصر المبتدأ في الخبر كقوله : ( العالم زيد وصديقي عمرو ) .

          [3] [ ص: 71 ] وإذا عرف المفهوم بحده وأصنافه ، فيجب أن تعلم قبل الخوض في الحجاج في هذه الأصناف أن مستند فهم الحكم في محل السكوت عند القائلين به إنما هو النظر إلى فائدة تخصيص محل النطق بالذكر دون غيره ، وسواء كان ذلك من قبيل مفهوم الموافقة أو المخالفة ، وإن افترقا من جهة أن فائدة التخصيص بالذكر في مفهوم الموافقة إنما هو تأكيد مثل حكم المنطوق في محل المسكوت عنه ، وفائدة التخصيص بالذكر في مفهوم المخالفة إنما هو نفي مثل حكم المنطوق في محل السكوت ، وذلك مما لا يعلم من مجرد تخصيص محل النطق بالذكر دون نظر عقلي يتحقق به أن التخصيص للتأكيد أو النفي ، وذلك بأن ينظر إلى حكمة الحكم المنطوق به .

          فإن عرفت وعرف تحققها في المحل المسكوت عنه ، وأنها أولى باقتضائها الحكم فيه من الحكم في محل النطق ، علم أن فائدة التخصيص التأكيد ، وأن المفهوم مفهوم الموافقة [4] وإن لم يعلم حكمة الحكم المنطوق به ، أو علمت غير أنها لم تكن متحققة في محل السكوت ، أو كانت متحققة فيه لكنها ليست أولى باقتضاء الحكم فيه [5] علم أن فائدة التخصيص إنما هي النفي [6] وأن المفهوم مفهوم المخالفة .

          وإذا أتينا على تحقيق المفهوم وأصنافه ، فلنرجع إلى المقصود من الحجاج في نفيه وإثباته ، وما هو المختار في كل واحد من أصنافه ، فنقول : أما مفهوم الموافقة فقد اتفق الكل على صحة الاحتجاج به سوى الظاهرية ، وإن اختلفوا في دلالته ، هل هي لفظية أو قياسية ، على ما سبق .

          والمتفقون على صحة مفهوم الموافقة اختلفوا في صحة الاحتجاج بمفهوم المخالفة ، فيجب الخوض فيما يتعلق به من المسائل ، وهي تسع مسائل .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية