[ ص: 88 ] المسألة الثانية
اختلفوا في
nindex.php?page=treesubj&link=21828الحكم المعلق على شيء بكلمة ( إن ) هل الحكم على العدم عند عدم ذلك الشيء أولا ؟ . فذهب
ابن سريج والهراسي [1] من أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي والكرخي وأبو الحسين البصري إلى أن الحكم على العدم مع عدم ذلك الشرط ، وذهب
nindex.php?page=showalam&ids=14959القاضي عبد الجبار وأبو عبد الله البصري إلى أن الحكم لا يكون على العدم عند عدم الشرط ، وهو المختار .
وبيانه أن ما علق عليه الحكم بكلمة ( إن ) ، إما أن لا يكون شرطا للحكم أو يكون شرطا : فإن كان الأول ، فلا يلزم من نفيه نفي الحكم ، وإن كان شرطا فلا يخلو ، إما أن يكون من لوازم الشرط انتفاء الحكم المعلق عليه مطلقا عند انتفائه ، و لا يكون لازما له ، الأول محال ، وإلا لامتنع وجود القصر المعلق على الخوف بكلمة ( إن ) في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=101فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ) وهو خلاف الإجماع ، وإن كان الثاني فهو المطلوب .
فإن قيل : هو من لوازمه بتقدير عدم المعارض ، وليس من لوازمه بتقدير المعارض ، ثم ما ذكرتموه معارض بما يدل على نقيضه ، وبيانه أن كلمة ( إن ) مسماة في اصطلاح أهل اللغة بالشرط ، والأصل في الإطلاق الحقيقة ، ولأن قول القائل لغيره : " إن دخل زيد الدار فأكرمه " في معنى قوله دخول زيد الدار شرط في إكرامه ، فكان ما دخلت عليه كلمة ( إن ) شرطا في الحكم ، وإذا كان شرطا لزم من عدمه عدم المشروط ، ويدل عليه ثلاثة أمور :
الأول : أن
nindex.php?page=showalam&ids=120يعلى بن أمية فهم من تعليق القصر على الخوف بكلمة ( إن ) عدم القصر عند عدم الخوف حيث
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355326سأل عمر قال : " ما بالنا نقصر وقد أمنا " وقد قال تعالى : ( nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=101فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم ) تركها
عمر على ذلك ، وقال له :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355327لقد عجبت مما عجبت منه ، فسألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك ، فقال : " صدقة [ ص: 89 ] تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته " .
[2] وفهم
عمر ويعلى ذلك مع تقرير النبي - صلى الله عليه وسلم - لهما على ما فهماه دليل ظاهر على العدم عند العدم .
الثاني : أن الأمة متفقة على أن الحياة شرط لوجود العلم والقدرة والإرادة ونحو ذلك ، وإن الحول شرط لوجوب الزكاة ، وحكموا بانتفاء العلم والقدرة عند عدم الحياة وبانتفاء وجوب الزكاة عند عدم الحول ، ولولا أن ذلك مقتضى الشرط لما كان كذلك .
الثالث : أنه إذا كان الشرط مما لا يثبت الحكم مع عدمه على كل حال ، وهو لا يلزم من وجوده وجود الحكم ، فيلزم أن يكون كل أمرين مختلفين لا يلزم من وجود أحدهما وجود الآخر ، ولا من عدمه عدمه شرطا ، وهو محال ، متفق عليه .
والجواب : قولهم إنه من لوازمه بتقدير عدم المعارض .
قلنا يجب أن لا يكون مقتضيا لذلك ، حذرا من التعارض بتقدير وجود المعارض .
وما ذكروه ثانيا : إنا وإن سلمنا أن ما دخلت عليه كلمة ( إن ) شرط ، ولكن لا نسلم أنه يلزم من عدمه عدم المشروط .
وأما الاستدلال بقضية
nindex.php?page=showalam&ids=120يعلى بن أمية فليس فيه ما يدل على أن عدم الخوف مانع من ثبوت القصر دونه ، بل لعله فهم أن الأصل عدم القصر ، وحيث ورد القصر حالة الخوف بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=101فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم ) ولم يوجد ما يدل على القصر حالة عدم الخوف ، فيبقى على حكم الأصل .
فإن قيل : ما ذكرتموه من إنما يصح أن لو كان الأصل في الصلاة الإتمام ، وليس كذلك ، بل الأصل في الصلاة عدم الإتمام ، ودليله ما روي عن
عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355328كانت الصلاة في السفر والحضر ركعتين ، فأقرت في السفر وزيدت في الحضر [3] فلم يبق للتعجب وجه سوى دلالة اشتراط الخوف وعدم القصر عند عدمه .
قلنا الصلاة المشروعة بديا ركعتين لا تسمى مقصورة ، كصلاة الصبح ، ولا فعلها قصرا ، وإنما المقصورة اسم لما جوز الاقتصار عليه من ركعتين في الرباعية
[ ص: 90 ] ولفظ القصر لنفس الاقتصار على الركعتين من الرباعية ، فإطلاق لفظ القصر في الآية مشعر بسابقة وجوب الإتمام لا محالة .
وإذا كان الإتمام هو الأصل السابق على القصر فقد بطل ما ذكروه .
كيف وإن ما ذكرناه من الاحتمال هو الأولى ، وإلا فلو كان اشتراط الخوف في القصر مانعا من القصر مع عدمه ، لما جاز القصر مع عدم الخوف أو كان القصر على خلاف الدليل ، وهو ممتنع من غير ضرورة .
وأما
[4] عدم العلم والقدرة ، وعدم وجوب الزكاة عند عدم الحياة وعدم الحول ، فليس في ذلك ما يدل على أن عدم الشرط مانع من وجود الحكم مع عدمه ولا بد ، بل غايته أن الحكم قد ينتفي في بعض صور نفي الشرط ، ولا نزاع فيه ، وإنما النزاع في لزوم انتفائه من انتفاء شرطه ولا بد .
وأما الوجه الثالث : فالوجه في جوابه أن يقال : لا يلزم من كون الشرط لا يلزم من ثبوته ثبوت الحكم ، ولا من نفيه نفيه ، إذا كان غير الشرط مشاركا له في هذه الصفة ، أن يكون شرطا لأنه لا يمتنع اشتراك المختلفات في عارض عام لها .
كيف وإن معنى كون الشيء شرطا لغيره أنه مؤكد لحال المشروط ، بمعنى أنه إذا تحقق الشرط لا يجوز نفي المشروط عند تحقق مقتضيه دفعا لوهم من توهم أن الخطاب لو ورد مطلقا لجاز أن لا يكون المشروط بذلك الشرط مرادا .
وذلك كما لو قال القائل : " ضح بالشاة وإن كانت عوراء " فإنه لو قال : " ضحوا بالشاة مطلقا " لجاز أن يتوهم متوهم أنه لا يجوز التضحية بالعوراء فكان ذكر هذا الوهم .
وعلى هذا فلا يلزم أن يكون كل شيء شرطا لكل شيء كما قالوه ، إلا أن يكون الشرط على هذا النحو الذي ذكرناه ، وليس كذلك .
وإن سلمنا أن الشرط يمنع من وجود المشروط دونه ، ولكن متى إذا أمكن قيام شرط مقام ذلك الشرط ، أو إذا لم يقم مقامه شرط آخر ؟ الأول ممنوع ، والثاني مسلم .
وهذا هو مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=14959القاضي عبد الجبار وأبي عبد الله البصري .
وعلى
[ ص: 91 ] هذا فكونه شرطا يتحقق بانتفاء الحكم عند انتفائه ، إذا لم يقم غيره مقامه وإن لم يثبت إذا قام غيره مقامه ، فلم قلتم إن غيره لم يقم مقامه في الشرطية مع أن لفظ الاشتراط لا يدل على وجود شرط آخر ، ولا على عدمه .
فإن قيل : إذا قال القائل لغيره : " إن دخل زيد الدار فأعطه درهما " ، معناه أن الشرط هو دخول الدار في عطيتك له ، وذلك يقتضي أن يكون كمال الشرط هو دخول الدار ، لأن لام الجنس تقتضي العموم ، ولأن قوله : " إن دخل الدار فأعطه درهما " ، يقتضي عدم الإعطاء عند عدم الدخول ، فلو قام شرط آخر مقامه لزم منه جواز الإعطاء مع عدم الدخول ، فيقتضي الشرط الأول امتناع وجود شرط آخر يقوم مقامه ، لما فيه من إخراج الشرط الأول عن كونه شرطا .
قلنا : جواب الأول أنا لا نسلم أن معنى قوله : ( إن دخل الدار ) هو الشرط ، بل هو شرط ، وذلك لا يمنع من شرط آخر ، وتقدير لام الجنس هاهنا زيادة لم يدل عليها دليل ، فلا يصار إليها .
وجواب الثاني : أنا لا نسلم أن قوله : ( إن دخل الدار ) يقتضي عدم الإعطاء عند عدم الدخول مطلقا ، بل إذا لم يقم غيره مقامه . ( لكن قد يمكن أن يقال هاهنا إذا سلم أنه إذا لم يقم غيره مقامه أن عدمه يقتضي العدم ، فالأصل عدم قيام غيره مقامه ، فاقتضى عدمه العدم . )
وربما احتج
nindex.php?page=showalam&ids=14959القاضي عبد الجبار وأبو عبد الله البصري بأنه لو منع الشرط من ثبوت الحكم عند عدمه لكان قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=33ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا ) يمنع من تحريم الإكراه على الزنا عند عدم إرادة التحصن ، وهو محال مخالف للإجماع .
ولقائل أن يقول : ذكر إرادة التحصن إنما كان لكونه شرطا في الإكراه لاستحالة تحقق الإكراه على الزنا في حق من هو مريد له غير مريد للتحصن ، لا لأنه شرط في تحريم الإكراه على الزنا ، والله أعلم .
[ ص: 88 ] الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ
اخْتَلَفُوا فِي
nindex.php?page=treesubj&link=21828الْحُكْمِ الْمُعَلَّقِ عَلَى شَيْءٍ بِكَلِمَةِ ( إِنْ ) هَلِ الْحُكْمُ عَلَى الْعَدَمِ عِنْدَ عَدَمِ ذَلِكَ الشَّيْءِ أَوَّلًا ؟ . فَذَهَبَ
ابْنُ سُرَيْجٍ وَالْهَرَّاسِيُّ [1] مِنْ أَصْحَابِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ وَالْكَرْخِيُّ وَأَبُو الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيُّ إِلَى أَنَّ الْحُكْمَ عَلَى الْعَدَمِ مَعَ عَدَمِ ذَلِكَ الشَّرْطِ ، وَذَهَبَ
nindex.php?page=showalam&ids=14959الْقَاضِي عَبْدُ الْجَبَّارِ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ إِلَى أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَكُونُ عَلَى الْعَدَمِ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ .
وَبَيَانُهُ أَنَّ مَا عُلِّقَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ بِكَلِمَةِ ( إِنْ ) ، إِمَّا أَنْ لَا يَكُونَ شَرْطًا لِلْحُكْمِ أَوْ يَكُونَ شَرْطًا : فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِهِ نَفْيُ الْحُكْمِ ، وَإِنْ كَانَ شَرْطًا فَلَا يَخْلُو ، إِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ لَوَازِمِ الشَّرْطِ انْتِفَاءُ الْحُكْمِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ مُطْلَقًا عِنْدَ انْتِفَائِهِ ، وَ لَا يَكُونُ لَازِمًا لَهُ ، الْأَوَّلُ مُحَالٌ ، وَإِلَّا لَامْتَنَعَ وُجُودُ الْقَصْرِ الْمُعَلَّقِ عَلَى الْخَوْفِ بِكَلِمَةِ ( إِنْ ) فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=101فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ) وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ فَهُوَ الْمَطْلُوبُ .
فَإِنْ قِيلَ : هُوَ مِنْ لَوَازِمِهِ بِتَقْدِيرِ عَدَمِ الْمُعَارِضِ ، وَلَيْسَ مِنْ لَوَازِمِهِ بِتَقْدِيرِ الْمُعَارِضِ ، ثُمَّ مَا ذَكَرْتُمُوهُ مُعَارَضٌ بِمَا يَدُلُّ عَلَى نَقِيضِهِ ، وَبَيَانُهُ أَنَّ كَلِمَةَ ( إِنْ ) مُسَمَّاةٌ فِي اصْطِلَاحِ أَهْلِ اللُّغَةِ بِالشَّرْطِ ، وَالْأَصْلُ فِي الْإِطْلَاقِ الْحَقِيقَةُ ، وَلِأَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ لِغَيْرِهِ : " إِنْ دَخَلَ زَيْدٌ الدَّارَ فَأَكْرِمْهُ " فِي مَعْنَى قَوْلِهِ دُخُولُ زَيْدٍ الدَّارَ شَرْطٌ فِي إِكْرَامِهِ ، فَكَانَ مَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ كَلِمَةُ ( إِنْ ) شَرْطًا فِي الْحُكْمِ ، وَإِذَا كَانَ شَرْطًا لَزِمَ مِنْ عَدَمِهِ عَدَمُ الْمَشْرُوطِ ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=120يَعْلَى بْنَ أُمَيَّةَ فَهِمَ مِنْ تَعْلِيقِ الْقَصْرِ عَلَى الْخَوْفِ بِكَلِمَةِ ( إِنْ ) عَدَمَ الْقَصْرِ عِنْدَ عَدَمِ الْخَوْفِ حَيْثُ
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355326سَأَلَ عُمَرَ قَالَ : " مَا بَالُنَا نَقْصُرُ وَقَدْ أَمِنَّا " وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : ( nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=101فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ ) تَرَكَهَا
عُمَرُ عَلَى ذَلِكَ ، وَقَالَ لَهُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355327لَقَدْ عَجِبْتُ مِمَّا عَجِبْتَ مِنْهُ ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ ، فَقَالَ : " صَدَقَةٌ [ ص: 89 ] تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ " .
[2] وَفَهْمُ
عُمَرَ وَيَعْلَى ذَلِكَ مَعَ تَقْرِيرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُمَا عَلَى مَا فَهِمَاهُ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى الْعَدَمِ عِنْدَ الْعَدَمِ .
الثَّانِي : أَنَّ الْأُمَّةَ مُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّ الْحَيَاةَ شَرْطٌ لِوُجُودِ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، وَإِنَّ الْحَوْلَ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ ، وَحَكَمُوا بِانْتِفَاءِ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ عِنْدَ عَدَمِ الْحَيَاةِ وَبِانْتِفَاءِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ عِنْدَ عَدَمِ الْحَوْلِ ، وَلَوْلَا أَنَّ ذَلِكَ مُقْتَضَى الشَّرْطِ لَمَا كَانَ كَذَلِكَ .
الثَّالِثُ : أَنَّهُ إِذَا كَانَ الشَّرْطُ مِمَّا لَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ مَعَ عَدَمِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ ، وَهُوَ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ وُجُودُ الْحُكْمِ ، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ أَمْرَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ أَحَدِهِمَا وُجُودُ الْآخَرِ ، وَلَا مِنْ عَدَمِهِ عَدَمُهُ شَرْطًا ، وَهُوَ مُحَالٌ ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَالْجَوَابُ : قَوْلُهُمْ إِنَّهُ مِنْ لَوَازِمِهِ بِتَقْدِيرِ عَدَمِ الْمُعَارِضِ .
قُلْنَا يَجِبُ أَنْ لَا يَكُونَ مُقْتَضِيًا لِذَلِكَ ، حَذَرًا مِنَ التَّعَارُضِ بِتَقْدِيرِ وُجُودِ الْمُعَارِضِ .
وَمَا ذَكَرُوهُ ثَانِيًا : إِنَّا وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ مَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ كَلِمَةُ ( إِنْ ) شَرْطٌ ، وَلَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ عَدَمُ الْمَشْرُوطِ .
وَأَمَّا الِاسْتِدْلَالُ بِقَضِيَّةِ
nindex.php?page=showalam&ids=120يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ فَلَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَدَمَ الْخَوْفِ مَانِعٌ مِنْ ثُبُوتِ الْقَصْرِ دُونَهُ ، بَلْ لَعَلَّهُ فَهِمَ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْقَصْرِ ، وَحَيْثُ وَرَدَ الْقَصْرُ حَالَةَ الْخَوْفِ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=101فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ ) وَلَمْ يُوجَدْ مَا يَدُلُّ عَلَى الْقَصْرِ حَالَةَ عَدَمِ الْخَوْفِ ، فَيَبْقَى عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ .
فَإِنْ قِيلَ : مَا ذَكَرْتُمُوهُ مِنْ إِنَّمَا يَصِحُّ أَنْ لَوْ كَانَ الْأَصْلُ فِي الصَّلَاةِ الْإِتْمَامَ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، بَلِ الْأَصْلُ فِي الصَّلَاةِ عَدَمُ الْإِتْمَامِ ، وَدَلِيلُهُ مَا رُوِيَ عَنْ
عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355328كَانَتِ الصَّلَاةُ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ رَكْعَتَيْنِ ، فَأُقِرَّتْ فِي السَّفَرِ وَزِيدَتْ فِي الْحَضَرِ [3] فَلَمْ يَبْقَ لِلتَّعَجُّبِ وَجْهٌ سِوَى دَلَالَةِ اشْتِرَاطِ الْخَوْفِ وَعَدَمِ الْقَصْرِ عِنْدَ عَدَمِهِ .
قُلْنَا الصَّلَاةُ الْمَشْرُوعَةُ بَدِيًّا رَكْعَتَيْنِ لَا تُسَمَّى مَقْصُورَةً ، كَصَلَاةِ الصُّبْحِ ، وَلَا فِعْلُهَا قَصْرًا ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُورَةُ اسْمٌ لِمَا جُوِّزَ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ مِنْ رَكْعَتَيْنِ فِي الرُّبَاعِيَّةِ
[ ص: 90 ] وَلَفْظُ الْقَصْرِ لِنَفْسِ الِاقْتِصَارِ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ مِنَ الرُّبَاعِيَّةِ ، فَإِطْلَاقُ لَفْظِ الْقَصْرِ فِي الْآيَةِ مُشْعِرٌ بِسَابِقَةِ وُجُوبِ الْإِتْمَامِ لَا مَحَالَةَ .
وَإِذَا كَانَ الْإِتْمَامُ هُوَ الْأَصْلُ السَّابِقُ عَلَى الْقَصْرِ فَقَدْ بَطَلَ مَا ذَكَرُوهُ .
كَيْفَ وَإِنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الِاحْتِمَالِ هُوَ الْأَوْلَى ، وَإِلَّا فَلَوْ كَانَ اشْتِرَاطُ الْخَوْفِ فِي الْقَصْرِ مَانِعًا مِنَ الْقَصْرِ مَعَ عَدَمِهِ ، لَمَا جَازَ الْقَصْرُ مَعَ عَدَمِ الْخَوْفِ أَوْ كَانَ الْقَصْرُ عَلَى خِلَافِ الدَّلِيلِ ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ .
وَأَمَّا
[4] عَدَمُ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ ، وَعَدَمُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ عِنْدَ عَدَمِ الْحَيَاةِ وَعَدَمِ الْحَوْلِ ، فَلَيْسَ فِي ذَلِكَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَدَمَ الشَّرْطِ مَانِعٌ مِنْ وُجُودِ الْحُكْمِ مَعَ عَدَمِهِ وَلَا بُدَّ ، بَلْ غَايَتُهُ أَنَّ الْحُكْمَ قَدْ يَنْتَفِي فِي بَعْضِ صُوَرِ نَفْيِ الشَّرْطِ ، وَلَا نِزَاعَ فِيهِ ، وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي لُزُومِ انْتِفَائِهِ مِنِ انْتِفَاءِ شَرْطِهِ وَلَا بُدَّ .
وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّالِثُ : فَالْوَجْهُ فِي جَوَابِهِ أَنْ يُقَالَ : لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الشَّرْطِ لَا يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِهِ ثُبُوتُ الْحُكْمِ ، وَلَا مِنْ نَفْيِهِ نَفْيُهُ ، إِذَا كَانَ غَيْرُ الشَّرْطِ مُشَارِكًا لَهُ فِي هَذِهِ الصِّفَةِ ، أَنْ يَكُونَ شَرْطًا لِأَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ اشْتِرَاكُ الْمُخْتَلِفَاتِ فِي عَارِضٍ عَامٍّ لَهَا .
كَيْفَ وَإِنَّ مَعْنَى كَوْنِ الشَّيْءِ شَرْطًا لِغَيْرِهِ أَنَّهُ مُؤَكِّدٌ لِحَالِ الْمَشْرُوطِ ، بِمَعْنَى أَنَّهُ إِذَا تَحَقَّقَ الشَّرْطُ لَا يَجُوزُ نَفْيُ الْمَشْرُوطِ عِنْدَ تَحَقُّقِ مُقْتَضِيهِ دَفْعًا لِوَهْمِ مَنْ تَوَهَّمَ أَنَّ الْخِطَابَ لَوْ وَرَدَ مُطْلَقًا لَجَازَ أَنْ لَا يَكُونَ الْمَشْرُوطُ بِذَلِكَ الشَّرْطِ مُرَادًا .
وَذَلِكَ كَمَا لَوْ قَالَ الْقَائِلُ : " ضَحِّ بِالشَّاةِ وَإِنْ كَانَتْ عَوْرَاءَ " فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ : " ضَحُّوا بِالشَّاةِ مُطْلَقًا " لَجَازَ أَنْ يَتَوَهَّمَ مُتَوَهِّمٌ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّضْحِيَةُ بِالْعَوْرَاءِ فَكَانَ ذِكْرُ هَذَا الْوَهْمِ .
وَعَلَى هَذَا فَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ شَيْءٍ شَرْطًا لِكُلِّ شَيْءٍ كَمَا قَالُوهُ ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ الشَّرْطُ عَلَى هَذَا النَّحْوِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ .
وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ الشَّرْطَ يَمْنَعُ مِنْ وُجُودِ الْمَشْرُوطِ دُونَهُ ، وَلَكِنْ مَتَى إِذَا أَمْكَنَ قِيَامُ شَرْطٍ مَقَامَ ذَلِكَ الشَّرْطِ ، أَوْ إِذَا لَمْ يَقُمْ مَقَامَهُ شَرْطٌ آخَرُ ؟ الْأَوَّلُ مَمْنُوعٌ ، وَالثَّانِي مُسَلَّمٌ .
وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ
nindex.php?page=showalam&ids=14959الْقَاضِي عَبْدِ الْجَبَّارِ وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيِّ .
وَعَلَى
[ ص: 91 ] هَذَا فَكَوْنُهُ شَرْطًا يَتَحَقَّقُ بِانْتِفَاءِ الْحُكْمِ عِنْدَ انْتِفَائِهِ ، إِذَا لَمْ يَقُمْ غَيْرُهُ مَقَامَهُ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ إِذَا قَامَ غَيْرُهُ مَقَامَهُ ، فَلِمَ قُلْتُمْ إِنَّ غَيْرَهُ لَمْ يَقُمْ مَقَامَهُ فِي الشَّرْطِيَّةِ مَعَ أَنَّ لَفْظَ الِاشْتِرَاطِ لَا يَدُلُّ عَلَى وُجُودِ شَرْطٍ آخَرَ ، وَلَا عَلَى عَدَمِهِ .
فَإِنْ قِيلَ : إِذَا قَالَ الْقَائِلُ لِغَيْرِهِ : " إِنْ دَخَلَ زَيْدٌ الدَّارَ فَأَعْطِهِ دِرْهَمًا " ، مَعْنَاهُ أَنَّ الشَّرْطَ هُوَ دُخُولُ الدَّارِ فِي عَطِيَّتِكَ لَهُ ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ كَمَالُ الشَّرْطِ هُوَ دُخُولُ الدَّارِ ، لِأَنَّ لَامَ الْجِنْسِ تَقْتَضِي الْعُمُومَ ، وَلِأَنَّ قَوْلَهُ : " إِنْ دَخَلَ الدَّارَ فَأَعْطِهِ دِرْهَمًا " ، يَقْتَضِي عَدَمَ الْإِعْطَاءِ عِنْدَ عَدَمِ الدُّخُولِ ، فَلَوْ قَامَ شَرْطٌ آخَرُ مَقَامَهُ لَزِمَ مِنْهُ جَوَازُ الْإِعْطَاءِ مَعَ عَدَمِ الدُّخُولِ ، فَيَقْتَضِي الشَّرْطُ الْأَوَّلُ امْتِنَاعَ وُجُودِ شَرْطٍ آخَرَ يَقُومُ مَقَامَهُ ، لِمَا فِيهِ مِنْ إِخْرَاجِ الشَّرْطِ الْأَوَّلِ عَنْ كَوْنِهِ شَرْطًا .
قُلْنَا : جَوَابُ الْأَوَّلِ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ : ( إِنْ دَخَلَ الدَّارَ ) هُوَ الشَّرْطُ ، بَلْ هُوَ شَرْطٌ ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ مِنْ شَرْطٍ آخَرَ ، وَتَقْدِيرُ لَامِ الْجِنْسِ هَاهُنَا زِيَادَةٌ لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهَا دَلِيلٌ ، فَلَا يُصَارُ إِلَيْهَا .
وَجَوَابُ الثَّانِي : أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ قَوْلَهُ : ( إِنْ دَخَلَ الدَّارَ ) يَقْتَضِي عَدَمَ الْإِعْطَاءِ عِنْدَ عَدَمِ الدُّخُولِ مُطْلَقًا ، بَلْ إِذَا لَمْ يَقُمْ غَيْرُهُ مَقَامَهُ . ( لَكِنْ قَدْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ هَاهُنَا إِذَا سُلِّمَ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَقُمْ غَيْرُهُ مَقَامَهُ أَنَّ عَدَمَهُ يَقْتَضِي الْعَدَمَ ، فَالْأَصْلُ عَدَمُ قِيَامِ غَيْرِهِ مَقَامَهُ ، فَاقْتَضَى عَدَمُهُ الْعَدَمَ . )
وَرُبَّمَا احْتَجَّ
nindex.php?page=showalam&ids=14959الْقَاضِي عَبْدُ الْجَبَّارِ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ بِأَنَّهُ لَوْ مَنَعَ الشَّرْطُ مِنْ ثُبُوتِ الْحُكْمِ عِنْدَ عَدَمِهِ لَكَانَ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=33وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا ) يَمْنَعُ مِنْ تَحْرِيمِ الْإِكْرَاهِ عَلَى الزِّنَا عِنْدَ عَدَمِ إِرَادَةِ التَّحَصُّنِ ، وَهُوَ مُحَالٌ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ .
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : ذِكْرُ إِرَادَةِ التَّحَصُّنِ إِنَّمَا كَانَ لِكَوْنِهِ شَرْطًا فِي الْإِكْرَاهِ لِاسْتِحَالَةِ تَحَقُّقِ الْإِكْرَاهِ عَلَى الزِّنَا فِي حَقِّ مَنْ هُوَ مُرِيدٌ لَهُ غَيْرُ مُرِيدٍ لِلتَّحَصُّنِ ، لَا لِأَنَّهُ شَرْطٌ فِي تَحْرِيمِ الْإِكْرَاهِ عَلَى الزِّنَا ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .