( فصل ) 
وأما المقطوع دون الخف والجمجم والمداس ، ونحو ذلك مما يصنع على مقدار القدم ، فالمشهور في المذهب : أن حكمه حكم الخف لا يجوز إلا عند عدم الخف ، وهو المنصوص عنه ؛ قال - في رواية ابن إبراهيم    - وقد سئل عن لبس الخفين دون الكعبين  فقال : يلبسه ما لم يقدر على النعلين إذا اضطر إلى لبسهما . 
وقال - في رواية  الأثرم    - : لا يلبس نعلا لها قيد وهو السير يجعل في الزمام معترضا ، فقيل له : فالخف المقطوع ؟ قال : هذا أشد . 
 [ ص: 45 ] وقال في رواية المروذي    : أكره المحمل الذي على النعل والعقب ، وكان  عطاء  يقول : فيه دم . 
فإذا منع من أن يجعل على النعل سيرا : فأن يمنع من الجمجم ونحوه أولى . 
وسواء نصب عقبه أو طواه ، فإن عقبه . . . فإن لبسه : فذكر القاضي ، والشريف  ، وأبو الخطاب  ، وابن عقيل  وغيرهم : أنه يفدي ؛ لأن أحمد  منع منه ، وممنوعات الإحرام فيها الفدية ؛ ولأنه قد نقل عنه : أن في النعال المكلفة والمعقبة الفدية ، فهذا أولى ، وقد حكى قول  عطاء  كالمفتي به . 
وذكر القاضي - في المجرد - وابن عقيل  في بعض المواضع من الفصول - : أنه ليس له لباس المقطوعين ، وأنه يكره النعال المكلفة ونحو ذلك ، قال : ولا فدية في ذلك ، قال : لأنه أخف حكما من الخف المقطوع ، وقد أباح النبي - صلى الله عليه وسلم - لبسه وسقطت الفدية فيه . 
وذكر القاضي وابن عقيل    - في موضع من خلافهما - أنه إذا قطع الخفين جاز لبسهما وإن وجد النعلين ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - جوز لبسهما بعد القطع في حديث  ابن عمر  ، فلولا أن قطعهما يخرجهما عن المنع لم يكن في القطع فائدة ، وإنما ذكر جواز لبسهما مقطوعين لمن لم يجد النعل ، لأنه إذا وجد النعل لم يجز له أن يقطع الخف ويفسده ، وإن كان لبس المقطوع جائزا ، فإذا عدم النعل صار مضطرا إلى قطعها ، ويؤيد هذا : أنه قد تقدم أن   [ ص: 46 ] النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يرخص في حديث  ابن عمر  في لبس السراويل ، ولا الخف ، وإنما رخص بعد عرفات  ، فعلم أن قوله : " فليلبس الخفين وليقطعهما حتى يكونا أسفل الكعبين   " بيان لما يجوز لبسه ويخرج به عن حد الخف الممنوع ، ويصير بمنزلة النعل المباح ، وإلا لم يكن فرق بين لبسهما مقطوعين وصحيحين ، وجعل ذلك لمن لم يجد النعل لما تقدم ، ثم إنه رخص بعد ذلك في لبس الخف والسراويل للعادم ، فبقي المقطوع كالسراويل المفتوق يجوز لبسه بكل حال . 
وأيضا : فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما نهى المحرم عن الخف كما رخص في المسح على الخف . والمقطوع وما أشبه من الجمجم ، والحذاء ونحوهما : ليس بخف ولا في معنى الخف ، فلا يدخل في المنع كما لم يدخل في المسح ، لا سيما ونهيه عن الخف إذن فيما سواه ؛ لأنه سئل عما يلبس المحرم من الثياب ، فقال : "لا يلبس كذا   " فحصر المحرم . فما لم يذكره فهو مباح . 
وأيضا : فإنه إما أن يلحق بالخف ، أو بالنعل وهو بالنعل أشبه فإنه لا يجوز المسح عليه كالنعل . 
وأيضا : فإن القدم عضو يحتاج إلى لبس فلا بد أن يباح ما تدعو إليه الحاجة . وكثير من الناس لا يتمكن من المشي في النعل ، فلا بد أن يرخص لهم فيما يشبهه من الجمجم والمداس ونحوهما ، وهو في ذلك بخلاف اليد ، فإنها لا تستر بالقفاز ونحوه لعدم الحاجة . 
ووجه الأول : قوله - في حديث  ابن عمر    - " ولا الخفين إلا أن لا يجد نعلين فليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين   " وفي لفظ صحيح : " إلا أن يضطر يقطعه من عند الكعبين   " وفي رواية : " إلا أن يضطر مضطر فيقطعها أسفل من الكعبين " . وفي روايات متعددة : " ولا الخفين إلا أحد لا يجد نعلين فليلبسهما أسفل من الكعبين   " فلم يرخص في لبس   [ ص: 47 ] المقطوع إلا لعادم النعل ، وعلقه باضطراره إلى ذلك ، وهذا صريح في نهيه عنه إذا لم يضطر ، وإذا كان واجدا ، وليس بمفهوم . قالوا : وإنما أمر أولا بالقطع ليقارب النعل لا ليصير مثله من كل وجه إذ لو كان مثله من كل وجه لم ينه عنه إلا في الضرورة ، ثم إنه نسخ ذلك كما تقدم . 
ويؤيد ذلك أنه قال في حديث  ابن عمر    : " وليحرم أحدكم في إزار ورداء ونعلين   " فلما كانت الأعضاء التي يحتاج إلى سترها ثلاثة ذكر لكل واحد نوعا غير مخيط على قدره ، والأمر بالشيء نهي عن ضده . فعلم أنه لا يجوز الإحرام إلا في ذلك ، ولأنه مخيط مصنوع على قدر العضو فمنع منه المحرم كالمخيط لجميع الأعضاء . والحاجة إنما تدعو إلى شيء يقيه مس قدمه الأرض ، وذلك يحصل بالنعل ، لما لم يثبت بنفسه رخصة له في سيور تمسكه ، كما يرخص في عقد الإزار لما لم يثبت إلا بالعقد . 
فأما ستر جوانب قدمه وظهرها وعقيبته فلا حاجة إليه ، فلبس ما صنع لستره ترفه ودخول في لباس العادة كلبس القفاز والسراويل ، ولأن نسبة الجمجم ونحوه إلى النعل كنسبة السراويل إلى الإزار ، فإن السراويل . . . . 
فعلى هذا قال أحمد    - في رواية  الأثرم    - لا يلبس نعلا لها قيد وهو السير في الزمام معترضا ، فقيل له : فالخف المقطوع ؟ فقال : هذا أشد ، وقال حرب    : سئل أحمد  عن النعل يوضع عليها شراك بالعرض على ظهر القدم كما يفعله المحرس يلبسه المحرم  ؟ فكرهه وقال في رواية المروذي    : أكره   [ ص: 48 ] المحمل والعقب الذي يجعل للنعل ، وكان  عطاء  يقول : فيه دم والقيد والمحمل واحد. 
قال القاضي وغيره : هي النعال المكلفات . واختلف أصحابنا : فمنهم من حمله على التحريم بكل حال على عموم كلامه ؛ قال ابن أبي موسى    : ويزيل ما على نعله من قيد أو عقب ، فإن لم يفعل فعليه دم ، وقد روي عن أحمد    - في القيد في النعل - يفتدي ؛ لأنا لا نعرف النعال هكذا . 
ومعنى القيد : سير ثان على ظهر القدم . والعقب : الذي يكون في مؤخر القدم ، وهذا لأن القدر الذي يحتاج إليه النعل من السيور : الزمام لأنه يمنع النعل من التقدم والتأخر . والشراك فإنه إذا عقده امتنع من أن ينتحي يمينا وشمالا . فأما سير ثان على ظهر القدم مع الشراك ، أو عقب بإزاء الزمام فلا حاجة إليه ، ولأنه ستر ظهر القدم وجانبه بما صنع له مما لا حاجة إليه ، فهو كما لو ستره بظهر قدم الجمجم وعقبه ، وهذا لأن الظهر والعقب يصير بهما بمنزلة المداس ، ويصير القدم في مثل الخف ، فأشبه ما لو صنع قميصا مشبكا ، أو لبس خفا مخرقا فإنه بمنزلة القميص والخف السليمين . 
ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أباح النعال ، وأذن فيها : فخرج كلامه على النعال التي يعرفونها ، والقيد والعقب محدثان يصير بهما النعل شبيها بالحذاء ؛ كالرداء إذا زرره أو خلله فإنه يصير كالبقير من القمصان ، وهذا القول مقتضى كلامه ، وهو أقيس على قول من يمنع المحرم من الجمجم وهو أتبع للأثر   [ ص: 49 ] وقال القاضي وابن عقيل  وغيرهما : إنما كره ذلك إذا كان العقب والقيد عريضا يستر بعض الرجل ، قالوا : ولا فدية في ذلك ، قالوا : لأنه أخف حكما من الخف المقطوع ، وقد أباح النبي - صلى الله عليه وسلم - لبسه وسقطت الفدية فيه ، وتخصيصهم الكلام بالعريضة : ليس في كلام أحمد تعرض له ، فإن الرقيق أيضا يستر بحسبه ، ولا حاجة إليه . 
وأما إسقاط الفدية : فيحتمله كلام أحمد  حيث نطق بالكراهة ، وحكى عن  عطاء  إن فيه دما ، ولم يجزم به . 
فأما إذا طوى وجه الجمجم وعقبه ، وشد رجله بخيط أو سير ونحوه ، أو قيد النعل وعقبها ووضع قدمه عليه أو كان الخف له سفل ولا ظهر له : . . . فأما إن لحقه ظهر قدم ولا سفل له . . . . 
				
						
						
