مسألة : ( الخامس الطيب في بدنه وثيابه )   : 
وجملة ذلك : أن المحرم يحرم عليه ابتداء الطيب  بإجماع المسلمين . وهذا من العلم العام ، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في المحرم الذي أوقصته ناقته : " لا تخمروا رأسه ولا تقربوه طيبا ، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا   " وفي   [ ص: 79 ] رواية : " لا تحنطوه   " متفق عليه . 
وقال - فيما يلبس المحرم من الثياب - : " ولا يلبس ثوبا مسه ورس ولا زعفران   " رواه الجماعة . فإذا نهى عن المورس والمزعفر مع أن ريحهما ليس بذاك ، فما له رائحة ذكية أولى . 
فأما إن تطيب قبل الإحرام بما له جرم يبقى كالمسك والذريرة والعنبر  ونحوه ، أو مما لا يبقى كالورد والبخور ، ثم استدامه : لم يحرم ذلك عليه ، ولم يكره له لحديث  عائشة  أنها قالت : " كأني أنظر إلى وبيص الطيب في مفرق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد أيام وهو محرم   " متفق عليه ، وفي رواية : " كأني أنظر إلى وبيص المسك في مفرق رسول الله وهو محرم   " رواه مسلم   وأبو داود   والنسائي    . 
 [ ص: 80 ] وقد تقدم أنها كانت تطيب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل الإحرام . 
وعن  عائشة  قالت : "كنا نخرج مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى مكة  فنضمد جباهنا بالمسك المطيب عند الإحرام ، فإذا عرقت إحدانا سال على وجهها فيراه النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا ينهانا " رواه  أبو داود  وأحمد    . 
ولفظ عنها : " أنهن كن يخرجن مع رسول الله - صلى الله عليه سلم - عليهن الضماد قد أضمدن قبل أن يحرمن ، ثم يغتسلن وهو عليهن يعرقن ويغتسلن لا ينهاهن عنه   " ولأن الطيب بمنزلة النكاح لأنه من دواعيه ، فإذا كان إنما يمنع من ابتداء النكاح دون استدامته فكذلك الطيب . 
وأيضا : فإن الطيب إنما يراد به الاستدامة كالنكاح ، فإذا منع من ابتدائه لم يمنع من استدامته ، وعكسه اللباس ، فإنه لا يراد للاستدامة ، ولأن الطيب من جنس النظافة من حيث يقصد به قطع الرائحة الكريهة كما يقصد بالنظافة إزالة ما يجمع الشعر والظفر من الوسخ . ثم استحب قبل الإحرام أن يأخذ من شعره وأظفاره لكونه ممنوعا منه بعد الإحرام ، وإن بقي أثره . فكذلك استحب له التطيب قبله ، وإن بقي أثره بعده . 
فإن قيل : فقد روى  صفوان بن أمية    - يعني عن يعلى    - أن يعلى  كان   [ ص: 81 ] يقول  لعمر بن الخطاب    : "ليتني أرى نبي الله - صلى الله عليه وسلم - حين ينزل عليه فلما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - بالجعرانة  ، وعلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ثوب قد أظل به ومعه ناس من أصحابه فيهم  عمر بن الخطاب  إذ جاءه رجل عليه جبة متضمخ بطيب ، فقال : يا رسول الله كيف ترى في رجل أحرم بعمرة في جبة بعدما تضمخ بطيب ؟ فنظر إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - ساعة ، ثم سكت فجاءه الوحي ، فأشار عمر  بيده إلى  يعلى بن أمية  تعال فجاءه يعلى  فأدخل رأسه فإذا النبي - صلى الله عليه وسلم - محمر الوجه يغط ساعة ، ثم سري عنه ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : "أما الطيب الذي بك فاغسله ثلاث مرات ، وأما الجبة فانزعها ، ثم اصنع في عمرتك ما تصنع في حجتك " متفق عليه ، لفظ مسلم    . وفي رواية : " أن رجلا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو بالجعرانة  قد أهل بعمرة وهو معصفر رأسه ولحيته ، وعليه جبة ، فقال : يا رسول الله إني أحرمت بعمرة ، وأنا كما ترى ، فقال : "انزع عنك الجبة واغسل عنك الصفرة   " وفي رواية : " وهو متضمخ بالخلوق   " رواهما مسلم    . 
فهذا يبين أن استدامة الطيب كاستدامة اللباس ، وقد روي عن عمر  وابنه نحو ذلك . 
قيل : قد أجاب أصحابنا عن هذا بجوابين أحدهما : أنه أمره بغسله لأنه   [ ص: 82 ] كان زعفرانا وقد نهى - صلى الله عليه وسلم - أن يتزعفر الرجل سواء كان حراما أو حلالا  لأن طيب الرجال ما ظهر ريحه وخفي لونه . 
الثاني : أن هذا كان بالجعرانة    - وكانت في ذي القعدة سنة ثمان عقب قسم غنائم حنين  وقد حج النبي - صلى الله عليه وسلم - سنة عشر واستدام الطيب ، وإنما يؤخذ بالآخر فالآخر من أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأنه يكون ناسخا للأول 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					