( فصل ) 
يحرم عليه أن يتطيب في بدنه وثيابه سواء مس الطيب بدنه ، أو لم يمسه لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : في المحرم الموقص - " لا تقربوه طيبا   " وفي لفظ : " لا تحنطوه   " وجعله في ظاهره : تقريب له لا سيما والحنوط هو مشروع بين الأكفان . فلما نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن تحنيطه علم أن قصد تحنيط بدنه ، وثيابه ولو كان تحنيط ظاهر الثوب جائزا لم ينه عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - بل أمر به تحصيلا لسنة الحنوط . 
وأيضا فقد قال - صلى الله عليه وسلم - : " لا يلبس المحرم ثوبا مسه ورس أو زعفران   " ولم يفرق بين أن يمس ظاهره أو باطنه . فعلم عموم الحكم وشموله . فلا يجوز أن يطيبهما بشيء يعده الناس طيبا سواء كان له لون أو لا لون له ؛ مثل المسك والعنبر والكافور والورس والزعفران والند ، وماء الورد ، والغالية ونحو ذلك   [ ص: 83 ] ولا يتبخر بشيء من البخور الذي له رائحة كالعود ؛ لأن المقصود من الطيب رائحته لا عينه ، فإذا عبق بالثوب رائحة البخور فهو طيبه ، ولأن الورد ودخان العود ونحوه أجزاء تتعلق بالبدن والثوب ، ولهذا يتجنب . . . ، وسواء كان الثوب فوقانيا ، أو تحتانيا . 
قال أحمد    - في رواية ابن إبراهيم    - : لا يلبس شيئا فيه طيب . 
وكذلك - أيضا - لا يجوز ثوب مطيب ؛ قال - في رواية ابن القاسم  وقد سئل عن المحرم يفترش الفراش والثوب المطيب    - قال : هو بمنزلة ما يلبس وذلك لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يلبس المحرم ثوبا مسه ورس أو زعفران ، والافتراش : لبس بدليل قول  أنس    : "وعندنا حصير قد اسود من طول ما لبس " لأن اللبس هو الاختلاط والمماسة ، فسواء كان الثوب فوقه ، أو كان   [ ص: 84 ] هو فوق الثوب ، ولأنه - صلى الله عليه وسلم - قال : " ولا تقربوه طيبا   " في المحرم ، ومعلوم أن جعل الطيب في فراشه تقريب له إليه . 
وكل ما حرم لبسه حرم الجلوس من الحرير والنجاسة في الصلاة وغير ذلك إلا أن يكون مما يقصد إهانته . ولأن جعل الطيب في الفراش أبلغ في استعمال الطيب من وضعه على البدن . 
ثم إن كان الطيب في الوجه الأعلى من الفراش فهو طيب ؛ لأن مباشرته بثيابه كمباشرته بنفسه . 
وإن كان في الوجه التحتاني . . . . 
وإن كان بينه وبين الطيب حائل فقال القاضي : في المجرد إن كان صفيقا يمنع المباشرة والرائحة جميعا لم يكره ذلك ، وإن كان رقيقا يمنع المباشرة دون الرائحة لم يحرم عليه لأنه لا يباشره . فأما الثوب الذي عليه فليس بحائل . 
وقال ابن عقيل    : إن كان الحائل يمنع وصول ريح الطيب إليه زال المنع وإيجاب الفدية عليه ، بخلاف ما لو كان في الثوب الفوقاني كما قلنا في النجاسة في الصلاة . وهذا أشبه بظاهر المذهب ؛ لأن اشتمام الطيب عندنا   [ ص: 85 ] كاستعماله ، فإذا كان رائحة الطيب تصل إليه وجبت الفدية . 
وإن كان الطيب في حواشي الفراش وليس تحته فإن كان يشم الرائحة . . . . 
ولا فرق بين الثوب المصبوغ بالطيب والمضمخ به ، والمبخر به فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "ولا ثوبا مسه ورس أو زعفران   " وفي لفظ : " ولا ثوبا مصبوغا بورس أو زعفران   " . 
ولأن المصبوغ والمبخر يكون لهما ريح كالمضمخ . 
فإن ذهبت رائحة المصبوغ بالزعفران ونحوه وبقي لون الصبغ فقال أصحابنا : إذا انقطعت رائحته ولم يبق إلا لونه فلا بأس به إذا علم أن الرائحة قد ذهبت ولا بالتمضخ بطيب ذهبت رائحته وبقي لونه كماء الورد المنقطع ، والمسك الذي استحال . وسواء كان انقطاع الريح لتقادم عهده ، أو لكونه قد صبغ بشراب أو سدر أو إذخر ونحو ذلك مما يقطع الرائحة ، فأما إن انقطعت الرائحة ليبسه فإذا رش بالماء أو ترطب ، فاح الطيب ، فإنه طيب تلزم الفدية به يابسا كان أو رطبا ، وكذلك الثوب الذي قد انقطعت رائحته . 
فأما المصبوغ بماء الفواكه التي يشم ريحها فلا بأس به لأنه لا يمنع من شم أصله ، هذا الذي ذكره القاضي   [ ص: 86 ] وذكر ابن عقيل    : أن المصبوغ بماء الفواكه والرياحين  كماء الريحان واللفاح والنرجس والبنفسج لا يمنع منه ، قال : ويحتمل عندي أن يفرق بين ورده ومائه ، كما قلنا في ماء الورد . 
ولو نزع ثوبه الذي فيه طيب قد لبسه قبل الإحرام ثم أعاده    : فقد ابتدأ لبس المطيب . فأما إن استصحب لبس الثوب المطيب  فقال أصحابنا : يجوز ، وظاهر الحديث المنع فإن . . . 
 [ ص: 87 ] 
				
						
						
