( فصل ) 
وعليهما أن يتفرقا في القضاء ؛ قال - في رواية ابن منصور    - في الذي يصيب أهله مهلا بالحج    : يهلان من قابل ويتفرقان ، وأرجو أن يجزئهما هدي واحد . وقال - في رواية  الأثرم    - في الرجل يصيب أهله وهما محرمان : يتفرقان إذا عادا إلى الحج في النزول والمحمل والفسطاط وما أشبه ذلك . 
لأن في أحد الحديثين المرسلين : فقال لهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " اقضيا نسككما وأهديا هديا ثم ارجعا حتى إذا جئتما المكان الذي أصبتما فيه ما أصبتما فتفرقا ولا يرى واحد منكما صاحبه وعليكما حجة أخرى ، فتقبلان حتى إذا كنتما بالمكان الذي أصبتما فيه ما أصبتما فأحرما   ". وفي الآخر فقال لهما : " أتما حجكما ثم ارجعا وعليكما حجة أخرى من قابل حتى إذا كنتما في المكان الذي أصبتما فأحرما وتفرقا ، ولا يرى واحد منكما صاحبه ، ثم أتما مناسككما وأهديا   " . 
وفي حديث عمر    : " يقضيان حجهما - والله أعلم بحجهما - ثم يرجعان حلالا كل واحد منهما لصاحبه حلالا حتى إذا كانا من قابل حجا وأهديا ، وتفرقا من حيث أصابا فلم يجتمعا حتى يقضيا حجهما   " . 
وفي الرواية المشهورة عن  ابن عباس    :   " اقضيا ما عليكما من نسككما هذا ، وعليكما الحج من قابل ، فإذا أتيتما المكان الذي فعلتما فيه ما فعلتما ، فتفرقا ولا تجتمعان حتى تقضيان نسككما " وفي رواية أخرى عنه : ولا يمران على   [ ص: 264 ] المكان الذي أصابا إلا وهما محرمان ، ويتفرقان إذا أحرما . وفي رواية أخرى عنه : ويحرمان من حيث كانا أحرما ويتفرقان . 
وعن  الزهري  ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتيبة    : أنه سأل  ابن عباس  عن رجل أصاب امرأته وهو محرم ؟ قال : عليهما الحج من قابل ثم يتفرقان من حيث يحرمان ولا يجتمعان حتى يقضيا مناسكهما وعليهما الهدي   . رواه النجاد  وفي رواية الحكم  عن علي  قال : يتفرقان ولا يجتمعان إلا وهما حلالان وينحر كل واحد منهما جزورا ، وعليهما الحج من قابل يحرمان بمثل ما كانا أحرما به في أول مرة ، فإذا مرا بالمكان الذي أصابها فيه تفرقا فلم يجتمعا إلا وهما حلالان . 
وذكر مالك  عن علي    : فإذا أهلا بالحج من عام قابل تفرقا حتى يقضيا حجهما " فهذه أقوال الصحابة مع المرسل المرفوع لا يعرف أثر صريح يخالف ذلك ؛ وذلك لأنه إذا جامعها في المكان الذي واقعها فيه : لم يؤمن أن تتكرر تلك الحال فتدعوه نفسه إلى مواقعتها ، فيفسد الحجة الثانية كما أفسد الأولى ، فإن رؤية الأمكنة تذكر بالأحوال التي كانت فيها ، وشهوة الجماع إذا هاجت فهي لا تنضبط وهذا معروف في الطباع ، وذكر الشعراء ذلك في   [ ص: 265 ] أشعارهم حتى قيل : إن سبب حب الوطن ما قضته النفس من الأوطار فيه ، وربما قد جرب . 
وأيضا : فإن مفارقة الحال والمكان الذي عصى الله فيه من تمام التوبة . 
وأيضا : فإنهما لما اجتمعا على معصية الله : كان من توبتهما أن يتفرقا في طاعة الله لقوله ( الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين    ) ، وقد قال  طاوس    : ما اجتمع رجلان على غير طاعة الله إلا تفرقا عن ثقال فإن تعجلا ذلك الثقال في الدنيا كان خيرا لهما من تأخيره إلى الآخرة   . 
فعلى هذا : ليس عليه أن يفارقها في الإحرام الفاسد ، وبعد رجوعها قبل الإحرام بحجة القضاء . فأما أحد الحديثين المرسلين ، وحديث علي    .... فإذا أحرما بالقضاء فهل يفارقها من حين الإحرام ، أو إذا بلغا مكان الإصابة ؟ فيه روايتان ذكرهما ... ؛ إحداهما : من حين الإحرام وهو ظاهر ما ذكرناه عن أحمد  ؛ لأنه كذلك في حديث علي  وحديث ابن العباس  ، ولأنه يخاف عليهما فساد الإحرام في أوله كما يخاف عليهما في آخره   [ ص: 266 ] والثانية : من الموضع الذي أصابها فيه وهو الذي ذكره ابن أبي موسى  والقاضي وأصحابه وعامة ... ؛ لأن الذي في المرفوع : حتى إذا كنتما في المكان الذي أصبتما فيه ما أصبتما فتفرقا . وكذلك روي عن عمر  ولم يختلف عنه ، وكذلك هو أجود الروايتين عن علي   وابن عباس    . ولعله يجمع بين الروايات : بأن يكون التفرق من حين الإحرام مستحبا ، ومن موضع الإصابة واجبا ، ولعله يستحب التفرق في الحجة الفاسدة . ولا يزالان متفرقين إلى حين الإحلال الثاني لأن ما قبل ذلك فالجماع محرم عليه ، ويتوجه . 
وصفة التفرق - على ما ذكره أحمد    - : أن لا يجتمعا في محمل ، ولا فسطاط في الركوب ، ولا في النزول ، وفي المرسل : أن لا يرى أحدهما صاحبه ... 
فأما كونهما في رفقة ، أو في قطار ؛ فلا يضرهما . 
 [ ص: 267 ] وهل هذا التفرق واجب أو مستحب ؟ خرجها ابن حامد  على وجهين : 
أحدهما : أنه واجب ، وهو ظاهر كلام أحمد  والآثار المروية في ذلك ... . 
				
						
						
