مسألة : ( ، ويكون من دعائه : اللهم كما وقفنا فيه ، وأريتنا إياه ، فوفقنا لذكرك كما هديتنا ، واغفر لنا ، وارحمنا كما وعدتنا بقولك ، وقولك الحق : ( ويأتي المشعر الحرام فيقف عنده ، ويدعو فإذا أفضتم من عرفات ) الآيتين إلى أن يسفر ، ثم يدفع قبل طلوع الشمس ) .
قال أبو عبد الله - في رواية المروذي - : فإذا برق الفجر فصل الفجر مع الإمام إن قدرت ، ثم قف مع الإمام في المشعر الحرام ، وتقول : اللهم أنت خير مطلوب منه .. إلى آخره .
اعلم أن المشعر الحرام - في الأصل - : اسم للمزدلفة كلها ، وهو المراد ; لأن عرفة هي المشعر الحلال ، وسمي جمعا ; لأن الصلاتين تجمع بها ، كأن [ ص: 519 ] الأصل موضع جمع ، أو ذات جمع ، ثم حذف المضاف ، وأقيم المضاف إليه مقامه .
وروى سعيد بن أبي عروبة - في مناسكه - عن قتادة في قوله : ( فاذكروا الله عند المشعر الحرام ) قال : هي ليلة جمع ، ذكر لنا أن كان يقول : " ما بين الجبلين مشعر " . ابن عباس
وعن عمرو بن ميمون قال : " سألت ونحن عبد الله بن عمرو بن العاص بعرفة عن المشعر الحرام ؟ قال : إن اتبعتني أخبرتك ، فدفعت معه حتى إذا وضعت الركاب أيديها في الحرم ، قال : هذا المشعر الحرام ، قلت : إلى أين ؟ قال : إلى أن تخرج منه " رواه الأزرقي وغيره بإسناد صحيح .
ويبين ذلك : أن الله أمر بذكره عند المشعر الحرام ، فلا بد من أن يشرع امتثال هذا الأمر ، وإنما شرع من الذكر : صلاة المغرب والعشاء والفجر ، والوقوف للدعاء غداة النحر ، وهذا الذكر كله يجوز في مزدلفة كلها ; لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( ومزدلفة كلها موقف ) فعلم أنها جميعا تدخل في مسمى المشعر الحرام . هذا الموقف
[ ص: 520 ] ثم إنه خص بهذا الاسم قزح ; لأنه أخص تلك البقعة بالوقوف عنده والذكر ، وغلب هذا الاستعمال في عرف الناس حتى إنهم لا يكادون يعنون بهذا الاسم إلا نفس قزح ، وإياه عنى جابر بقوله - في حديثه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : الفضل بن عباس " . رواه " ثم ركب القصوى حتى أتى المشعر الحرام ، فاستقبل القبلة ، فدعا الله وكبره وهلله ووحده ، فلم يزل واقفا حتى أسفر جدا ، فدفع قبل أن تطلع الشمس ، وأردف مسلم .
وكثيرا ما يجيء في الحديث المشعر الحرام يعنى به نفس قزح .
وأما في عرف الفقهاء : فهو غالب عليه ، ونسبة هذا الجبل إلى مزدلفة كنسبة جبل الرحمة إلى عرفة .
إذا تبين هذا : فإن السنة أن يقف الناس غداة جمع بالمزدلفة يذكرون الله سبحانه ، ويدعونه كما صنعوا بعرفات إلى قبيل طلوع الشمس ; وهو موقف عظيم ومشهد كريم ، وهو تمام للوقوف بعرفة ، وبه تجاب المسائل التي توقفت بعرفة كالطواف بين الصفا والمروة مع الطواف بالبيت وأوكد ، قال تعالى : ( فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام ) ووقف النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه بالناس .
[ ص: 521 ] وقد روى عباس بن مرداس بالمزدلفة أعاد الدعاء فأجيب إلى ما سأل ، قال : فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو تبسم ، فقال أبو بكر وعمر : بأبي أنت وأمي إن هذه الساعة ما كنت تضحك فيها ، فما الذي أضحكك ، أضحك الله سنك ؟ قال : إن عدو الله إبليس لما علم أن الله قد استجاب دعائي وغفر لأمتي أخذ التراب ، فجعل يحثو على رأسه ، ويدعو بالويل والثبور ; فأضحكني ما رأيت من جزعه " . رواه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " دعا لأمته عشية عرفة بالمغفرة ، فأجيب : قد غفرت لهم ما خلا المظالم ، فإني آخذ للمظلوم منه ، قال : أي ربي إن شئت أعطيت المظلوم من الجنة وغفرت للظالم ، فلم يجب عشية عرفة ، فلما أصبح ، أبو داود ، وابن ماجه وعبد الله بن أحمد في مسند أبيه ، . وابن أبي الدنيا
وعن قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ابن عمر المزدلفة ، قال الله لملائكته : أشهدكم أني قد غفرت لهم تبعات بعضهم بعضا ، وضمنت لأهلها النوافل " . رواه إذا كان عشية عرفة باهى [ ص: 522 ] الله بالحاج فيقول لملائكته : " انظروا إلى عبادي شعثا غبرا قد أتوني من كل فج عميق يرجون رحمتي ومغفرتي : أشهدكم أني قد غفرت لهم إلا ما كان من تبعات بعضهم بعضا ، فإذا كان غداة ابن أبي داود من حديث ابن أبي رواد عن نافع عنه .
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له - غداة جمع : " يا بلال بن رباح بلال أسكت لنا أو أنصت الناس ، ثم قال : إن الله تطاول عليكم في جمعكم هذا ، فوهب مسيئكم لمحسنكم ، وأعطى محسنكم ما سأل ، ادفعوا باسم الله " رواه وعن . ابن ماجه