( فصل )
فيما يحصل به
nindex.php?page=treesubj&link=3491التحلل الأول ، وفيه روايتان منصوصتان :
إحداهما : يحصل بمجرد الرمي ، فلو لبس قبل الحلق أو تطيب أو قتل الصيد لم يكن عليه شيء ، قال في رواية
عبد الله وأبي الحارث : حجه فاسد إذا وطئ قبل أن يرمي ، وإن كان قد وقف بعرفة ; لأن الإحرام قائم عليه ، فإذا رمى الجمرة انتقض بعض إحرامه وحل له كل شيء إلا النساء .
وقال - في رواية
ابن منصور - وقد سئل عن
nindex.php?page=treesubj&link=3431_3483_3732المحرم يغسل رأسه قبل أن يحلق ، فقال : إذا رمى الجمرة فقد انتقض إحرامه إن شاء غسله .
لأن في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015735 " إذا رميتم الجمرة فقد حل لكم كل شيء " وكذلك في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة من رواية
nindex.php?page=showalam&ids=11998أبي داود .
[ ص: 540 ] والثانية : بالرمي والحلاق ، قال القاضي : وهو أصح الروايتين ، قال في رواية
المروذي : ابدأ بشق رأسك الأيمن وأنت متوجه إلى
الكعبة وقل : اللهم هذه ناصيتي بيدك اجعل لي بكل شعرة نورا يوم القيامة ، اللهم بارك لي في نفسي وتقبل عملي ، وخذ من شاربك وأظفارك ثم قد حل من كل شيء إلا النساء .
والمرأة تقصر من شعرها ، وتقول مثل ذلك .
وقد نص في مواضع كثيرة : على أن المعتمر ما لم يحلق أو يقصر فهو محرم ; لأن في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة : " إذا رميتم وحلقتم " وهذه زيادة ... .
واختلف أصحابنا في مأخذ هذا الاختلاف على طرق ; فقال القاضي - في المجرد -
وأبو الخطاب وجماعات من أصحابنا : هذا مبني على أن الحلق هل هو نسك أو طلاق من محظور ، وخرجوا في ذلك روايتين :
إحداهما : أنه إطلاق من محظور بمنزلة تقليم الأظفار ، وأخذ الشارب ، ولبس الثياب والطيب لأنه محظور في حال الإحرام ، فكان في وقته إطلاق محظور كسائر المحظورات من اللبس والطيب ، ولأنه لو كان نسكا من أعمال الحج لم يجب بفعله حال الإحرام دم كسائر المناسك من الطوافين والوقوفين والرمي ، وسبب هذا : أن الحلق هو من جملة إلقاء التفث ، وإزالة الشعث والغبار ونوع من الترفه ، وذلك بالمباحات أشبه منه بالعبادات ، وأصحاب هذا القول ربما استحبوا الحلاق من حيث هو نظافة للطواف كما يستحب الحلق والتقليم
[ ص: 541 ] والاغتسال لا لأمر يختص النسك ، وعلى هذا القول لا فرق بين حلق الرأس وحلق العانة .
واعلم أن هذا القول غلط على المذهب ليس عن
أحمد ما يدل على هذا بل كلامه كله دليل على أن الحلق من المناسك ، وإنما توهم ذلك من توهمه حيث لم يوقف التحلل عليه ، أو حيث لم يقيد النسك بالوطء قبله ، وهذه الأحكام لها مأخذ آخر ، ثم هو خطأ في الشريعة كما سيذكره .
الطريقة الثانية : أن
nindex.php?page=treesubj&link=3491الحلق أو التقصير نسك يثاب على فعله ويعاقب على تركه من غير تردد ; لكن هل يتوقف التحلل الأول عليه ؟ على روايتين ، فإن قيل : يتوقف التحلل عليه فهو كالرمي والسلام في الصلاة ، وإن لم يتوقف التحلل عليه فهو كالمبيت بمنى وكرمي الجمار أيام منى ، وكسجود السهو بعد الصلاة وهذه طريقة القاضي في خلافه وطريقة ... .
وهذه الطريقة أجود من التي قبلها ; لأن الرواية إنما اختلفت عن
أحمد في
nindex.php?page=treesubj&link=3972_27584وجوب الدم على من وطئ في العمرة قبل الحلاق ولم يختلف عنه أنه مسيء بذلك ، واختلف عنه ... .
[ ص: 542 ] الطريقة الثالثة : أنه نسك مؤكد وتاركه مسيء بغير تردد ; لكن هل هو واجب بحيث إذا فات بفساد العبادة يجب عليه دم أو يعاقب على تركه ؟ على روايتين .
وإذا قلنا : هو واجب فهل يتحلل بدونه ؟ على روايتين .
وهذه الطريقة أجود الطرق ، وهي مقتضى ما سلكه المتقدمون من أصحابنا ، ولا يختلف أصحابنا في اختيار كونه نسكا ، وذلك لأن الله سبحانه قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=29ثم ليقضوا تفثهم ) وهذه اللام لام الأمر على قراءة ... .
وأيضا : فإنه سبحانه قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=27لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين ) فجعل الحلق والتقصير شعار النسك وعلامته ، وعبر عن النسك بالحلق والتقصير ، وذلك يقتضي كونه جزءا منه وبعضا له لوجوه ; أحدها : أن العبادة إذا سميت بما يفعل فيها دل على أنه واجب فيها كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=78وقرآن الفجر ) وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=2قم الليل ) و
[ ص: 543 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=20إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ) و (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=43واركعي مع الراكعين ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=98وكن من الساجدين ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=130وسبح بحمد ربك ) .
ويقال : صليت ركعتين وسجدتين ، وكذلك في الأعيان يعبر عن الشيء ببعض أجزائه كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=92فتحرير رقبة ) ويقال : عنده عشرة رؤوس وعشر رقاب .
الثاني : أن الحلق والتقصير إذا كان من لوازم النسك وهو أمر ظاهر باق أثره في المناسك ، كان وجود النسك وجودا له ، فجاز أن يقصد النسك بلفظه للزومه إياه ، أما إذا وجد معه تارة وفارقه أخرى بحسب اختيار الإنسان ، كان بمنزلة الركوب والمشي لا يحسن التعبير به عنه ، ولا يفهم منه .
الثالث : ... .
ويشبه - والله أعلم - إنما ذكر الحلاق والتقصير دون الطواف والسعي ; لأنهما صفتان لبدن الإنسان ينتقلان بانتقاله .
والمراد بالدخول : الكون ; فكأنه قال : لتكونن بالمسجد الحرام ولتمكثن به حالقين ومقصرين ، وفيه أيضا تنبيه على تمام النسك ; لأن الحلق والتقصير إنما يكون بعد التمام ; لئلا يخافوا أن يصدوا عن إتمام العمرة كما صدوا عن إتمامها عام أول .
[ ص: 544 ] وأيضا : فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - حلق هو وجميع أصحابه ، وهو من الأعمال التي تناقلتها الأمة خلفا عن سلف قولا وفعلا ، فلو لم يكن ذلك عبادة ونسكا لله وطاعة لم يحافظوا عليه هذه المحافظة .
وأيضا : فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا ... .
وأيضا فإن الحلق أمر لا يشرع لغير الحج ، بل هو إما مكروه أو مباح ، وكل أمر شرع في الحج ولم يشرع في غيره فإنه يكون نسكا كالرمي والسعي والوقوف ، وعكسه التقليم ونتف الإبط ولبس الثياب ، فإنه مشروع قبل الإحرام ، ففعله عودا إلى الحال الأولى .
أما حلق الرأس فإنه لا يشرع قبل الإحرام بحال .
وأيضا : فحلق الرأس ليس من النظافة المأمور بها كالتقليم وأخذ الشارب ، ولا الزينة المندوب إليها كلبس الثياب ، فلو لم يكن نسكا لكان عبثا محضا ; إذ لا فائدة فيه أصلا ... .
وأيضا فإنه لو كان المقصود إزالة وسخ لما اكتفى بمجرد التقصير ، فالاكتفاء به دليل على أن المقصود وضع شيء من شعره لله تعالى .
[ ص: 545 ] وأيضا فإن الحلق يجمع صفات منها : أنه تحلل من الإحرام ; لأنه كان محظورا قبل هذا ، والتحلل من العبادة عبادة كالسلام .
ومنها أن وضع النواصي نوع من الذل والخضوع ؛ ولهذا كانت العرب إذا أرادت المن على الأسير ، جزت ناصيته وأرسلته ،
nindex.php?page=treesubj&link=3277وأعمال الحج مبناها على الخضوع والذل .
ومنها أنه قد يكون فيه ترفه بإلقاء وسخ الرأس وشعثه وقمله ، لكن هذا القدر يمكن إزالته بالترجل ، فلو فرض أنه من أنواع المباحات ببعض صفاته لم يمنع أن يكون من نوع العبادات بباقي الصفات . . .
( فَصْلٌ )
فِيمَا يَحْصُلُ بِهِ
nindex.php?page=treesubj&link=3491التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ ، وَفِيهِ رِوَايَتَانِ مَنْصُوصَتَانِ :
إِحْدَاهُمَا : يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ الرَّمْيِ ، فَلَوْ لَبِسَ قَبْلَ الْحَلْقِ أَوْ تَطَيَّبَ أَوْ قَتَلَ الصَّيْدَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ ، قَالَ فِي رِوَايَةِ
عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي الْحَارِثِ : حَجُّهُ فَاسِدٌ إِذَا وَطِئَ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ ، وَإِنْ كَانَ قَدْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ ; لِأَنَّ الْإِحْرَامَ قَائِمٌ عَلَيْهِ ، فَإِذَا رَمَى الْجَمْرَةَ انْتَقَضَ بَعْضُ إِحْرَامِهِ وَحَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا النِّسَاءَ .
وَقَالَ - فِي رِوَايَةِ
ابْنِ مَنْصُورٍ - وَقَدْ سُئِلَ عَنِ
nindex.php?page=treesubj&link=3431_3483_3732الْمُحْرِمِ يَغْسِلُ رَأْسَهُ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ ، فَقَالَ : إِذَا رَمَى الْجَمْرَةَ فَقَدِ انْتَقَضَ إِحْرَامُهُ إِنْ شَاءَ غَسَلَهُ .
لِأَنَّ فِي حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015735 " إِذَا رَمَيْتُمُ الْجَمْرَةَ فَقَدْ حَلَّ لَكُمْ كُلُّ شَيْءٍ " وَكَذَلِكَ فِي حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=25عَائِشَةَ مِنْ رِوَايَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=11998أَبِي دَاوُدَ .
[ ص: 540 ] وَالثَّانِيَةُ : بِالرَّمْيِ وَالْحِلَاقِ ، قَالَ الْقَاضِي : وَهُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ ، قَالَ فِي رِوَايَةِ
الْمَرُّوذِيِّ : ابْدَأْ بِشِقِّ رَأْسِكَ الْأَيْمَنِ وَأَنْتَ مُتَوَجِّهٌ إِلَى
الْكَعْبَةِ وَقُلْ : اللَّهُمَّ هَذِهِ نَاصِيَتِي بِيَدِكَ اجْعَلْ لِي بِكُلِّ شَعْرَةٍ نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، اللَّهُمَّ بَارِكْ لِي فِي نَفْسِي وَتَقَبَّلْ عَمَلِي ، وَخُذْ مِنْ شَارِبِكَ وَأَظْفَارِكَ ثُمَّ قَدْ حَلَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا النِّسَاءَ .
وَالْمَرْأَةُ تُقَصِّرُ مِنْ شَعْرِهَا ، وَتَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ .
وَقَدْ نَصَّ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ : عَلَى أَنَّ الْمُعْتَمِرَ مَا لَمْ يَحْلِقْ أَوْ يُقَصِّرْ فَهُوَ مُحْرِمٌ ; لِأَنَّ فِي حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=25عَائِشَةَ : " إِذَا رَمَيْتُمْ وَحَلَقْتُمْ " وَهَذِهِ زِيَادَةٌ ... .
وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مَأْخَذِ هَذَا الِاخْتِلَافِ عَلَى طُرُقٍ ; فَقَالَ الْقَاضِي - فِي الْمُجَرَّدِ -
وَأَبُو الْخَطَّابِ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ أَصْحَابِنَا : هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْحَلْقَ هَلْ هُوَ نُسُكٌ أَوْ طَلَاقٌ مِنْ مَحْظُورٍ ، وَخَرَّجُوا فِي ذَلِكَ رِوَايَتَيْنِ :
إِحْدَاهُمَا : أَنَّهُ إِطْلَاقٌ مِنْ مَحْظُورٍ بِمَنْزِلَةِ تَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ ، وَأَخْذِ الشَّارِبِ ، وَلُبْسِ الثِّيَابِ وَالطِّيبِ لِأَنَّهُ مَحْظُورٌ فِي حَالِ الْإِحْرَامِ ، فَكَانَ فِي وَقْتِهِ إِطْلَاقَ مَحْظُورٍ كَسَائِرِ الْمَحْظُورَاتِ مِنَ اللُّبْسِ وَالطِّيبِ ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ نُسُكًا مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ لَمْ يَجِبْ بِفِعْلِهِ حَالَ الْإِحْرَامِ دَمٌ كَسَائِرِ الْمَنَاسِكِ مِنَ الطَّوَافَيْنِ وَالْوُقُوفَيْنِ وَالرَّمْيِ ، وَسَبَبُ هَذَا : أَنَّ الْحَلْقَ هُوَ مِنْ جُمْلَةِ إِلْقَاءِ التَّفَثِ ، وَإِزَالَةِ الشَّعَثِ وَالْغُبَارِ وَنَوْعٌ مِنَ التَّرَفُّهِ ، وَذَلِكَ بِالْمُبَاحَاتِ أَشْبَهُ مِنْهُ بِالْعِبَادَاتِ ، وَأَصْحَابُ هَذَا الْقَوْلِ رُبَّمَا اسْتَحَبُّوا الْحِلَاقَ مِنْ حَيْثُ هُوَ نَظَافَةٌ لِلطَّوَافِ كَمَا يُسْتَحَبُّ الْحَلْقُ وَالتَّقْلِيمُ
[ ص: 541 ] وَالِاغْتِسَالُ لَا لِأَمْرٍ يَخْتَصُّ النُّسُكَ ، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَا فَرْقَ بَيْنَ حَلْقِ الرَّأْسِ وَحَلْقِ الْعَانَةِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ غَلَطٌ عَلَى الْمَذْهَبِ لَيْسَ عَنْ
أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا بَلْ كَلَامُهُ كُلُّهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحَلْقَ مِنَ الْمَنَاسِكِ ، وَإِنَّمَا تَوَهَّمَ ذَلِكَ مَنْ تَوَهَّمَهُ حَيْثُ لَمْ يُوقِفِ التَّحَلُّلَ عَلَيْهِ ، أَوْ حَيْثُ لَمْ يُقَيِّدِ النُّسُكَ بِالْوَطْءِ قَبْلَهُ ، وَهَذِهِ الْأَحْكَامُ لَهَا مَأْخَذٌ آخَرُ ، ثُمَّ هُوَ خَطَأٌ فِي الشَّرِيعَةِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ .
الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=3491الْحَلْقَ أَوِ التَّقْصِيرَ نُسُكٌ يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ وَيُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ مِنْ غَيْرِ تَرَدُّدٍ ; لَكِنْ هَلْ يَتَوَقَّفُ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ عَلَيْهِ ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ ، فَإِنْ قِيلَ : يَتَوَقَّفُ التَّحَلُّلُ عَلَيْهِ فَهُوَ كَالرَّمْيِ وَالسَّلَامِ فِي الصَّلَاةِ ، وَإِنْ لَمْ يَتَوَقَّفِ التَّحَلُّلُ عَلَيْهِ فَهُوَ كَالْمَبِيتِ بِمِنًى وَكَرَمْيِ الْجِمَارِ أَيَّامَ مِنًى ، وَكَسُجُودِ السَّهْوِ بَعْدَ الصَّلَاةِ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ وَطَرِيقَةُ ... .
وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ أَجْوَدُ مِنَ الَّتِي قَبْلَهَا ; لِأَنَّ الرِّوَايَةَ إِنَّمَا اخْتَلَفَتْ عَنْ
أَحْمَدَ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=3972_27584وُجُوبِ الدَّمِ عَلَى مَنْ وَطِئَ فِي الْعُمْرَةِ قَبْلَ الْحِلَاقِ وَلَمْ يُخْتَلَفْ عَنْهُ أَنَّهُ مُسِيءٌ بِذَلِكَ ، وَاخْتُلِفَ عَنْهُ ... .
[ ص: 542 ] الطَّرِيقَةُ الثَّالِثَةُ : أَنَّهُ نُسُكٌ مُؤَكَّدٌ وَتَارِكُهُ مُسِيءٌ بِغَيْرِ تَرَدُّدٍ ; لَكِنْ هَلْ هُوَ وَاجِبٌ بِحَيْثُ إِذَا فَاتَ بِفَسَادِ الْعِبَادَةِ يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ أَوْ يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ .
وَإِذَا قُلْنَا : هُوَ وَاجِبٌ فَهَلْ يَتَحَلَّلُ بِدُونِهِ ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ .
وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ أَجْوَدُ الطُّرُقِ ، وَهِيَ مُقْتَضَى مَا سَلَكَهُ الْمُتَقَدِّمُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا ، وَلَا يَخْتَلِفُ أَصْحَابُنَا فِي اخْتِيَارِ كَوْنِهِ نُسُكًا ، وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=29ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ ) وَهَذِهِ اللَّامُ لَامُ الْأَمْرِ عَلَى قِرَاءَةِ ... .
وَأَيْضًا : فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=27لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ ) فَجَعَلَ الْحَلْقَ وَالتَّقْصِيرَ شِعَارَ النُّسُكِ وَعَلَامَتَهُ ، وَعَبَّرَ عَنِ النُّسُكِ بِالْحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي كَوْنَهُ جُزْءًا مِنْهُ وَبَعْضًا لَهُ لِوُجُوهٍ ; أَحَدُهَا : أَنَّ الْعِبَادَةَ إِذَا سُمِّيَتْ بِمَا يُفْعَلُ فِيهَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ وَاجِبٌ فِيهَا كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=78وَقُرْآنَ الْفَجْرِ ) وَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=2قُمِ اللَّيْلَ ) وَ
[ ص: 543 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=20إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ ) وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=43وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=98وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=130وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ ) .
وَيُقَالُ : صَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ وَسَجْدَتَيْنِ ، وَكَذَلِكَ فِي الْأَعْيَانِ يُعَبَّرُ عَنِ الشَّيْءِ بِبَعْضِ أَجْزَائِهِ كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=92فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ) وَيُقَالُ : عِنْدَهُ عَشَرَةُ رُؤُوسٍ وَعَشْرُ رِقَابٍ .
الثَّانِي : أَنَّ الْحَلْقَ وَالتَّقْصِيرَ إِذَا كَانَ مِنْ لَوَازِمِ النُّسُكِ وَهُوَ أَمْرٌ ظَاهِرٌ بَاقٍ أَثَرُهُ فِي الْمَنَاسِكِ ، كَانَ وُجُودُ النُّسُكِ وُجُودًا لَهُ ، فَجَازَ أَنْ يَقْصِدَ النُّسُكَ بِلَفْظِهِ لِلُزُومِهِ إِيَّاهُ ، أَمَّا إِذَا وُجِدَ مَعَهُ تَارَةً وَفَارَقَهُ أُخْرَى بِحَسَبِ اخْتِيَارِ الْإِنْسَانِ ، كَانَ بِمَنْزِلَةِ الرُّكُوبِ وَالْمَشْيِ لَا يَحْسُنُ التَّعْبِيرُ بِهِ عَنْهُ ، وَلَا يُفْهَمُ مِنْهُ .
الثَّالِثُ : ... .
وَيُشْبِهُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - إِنَّمَا ذَكَرَ الْحِلَاقَ وَالتَّقْصِيرَ دُونَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ ; لِأَنَّهُمَا صِفَتَانِ لِبَدَنِ الْإِنْسَانِ يَنْتَقِلَانِ بِانْتِقَالِهِ .
وَالْمُرَادُ بِالدُّخُولِ : الْكَوْنُ ; فَكَأَنَّهُ قَالَ : لَتَكُونُنَّ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَلَتَمْكُثُنَّ بِهِ حَالِقِينَ وَمُقَصِّرِينَ ، وَفِيهِ أَيْضًا تَنْبِيهٌ عَلَى تَمَامِ النُّسُكِ ; لِأَنَّ الْحَلْقَ وَالتَّقْصِيرَ إِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ التَّمَامِ ; لِئَلَّا يَخَافُوا أَنْ يَصُدُّوا عَنْ إِتْمَامِ الْعُمْرَةِ كَمَا صَدُّوا عَنْ إِتْمَامِهَا عَامَ أَوَّلٍ .
[ ص: 544 ] وَأَيْضًا : فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَلَقَ هُوَ وَجَمِيعُ أَصْحَابِهِ ، وَهُوَ مِنَ الْأَعْمَالِ الَّتِي تَنَاقَلَتْهَا الْأُمَّةُ خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ قَوْلًا وَفِعْلًا ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عِبَادَةً وَنُسُكًا لِلَّهِ وَطَاعَةً لَمْ يُحَافِظُوا عَلَيْهِ هَذِهِ الْمُحَافَظَةَ .
وَأَيْضًا : فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعَا ... .
وَأَيْضًا فَإِنَّ الْحَلْقَ أَمْرٌ لَا يُشْرَعُ لِغَيْرِ الْحَجِّ ، بَلْ هُوَ إِمَّا مَكْرُوهٌ أَوْ مُبَاحٌ ، وَكُلُّ أَمْرٍ شُرِعَ فِي الْحَجِّ وَلَمْ يُشْرَعْ فِي غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ نُسُكًا كَالرَّمْيِ وَالسَّعْيِ وَالْوُقُوفِ ، وَعَكْسُهُ التَّقْلِيمُ وَنَتْفُ الْإِبِطِ وَلُبْسُ الثِّيَابِ ، فَإِنَّهُ مَشْرُوعٌ قَبْلَ الْإِحْرَامِ ، فَفِعْلُهُ عَوْدًا إِلَى الْحَالِ الْأُولَى .
أَمَّا حَلْقُ الرَّأْسِ فَإِنَّهُ لَا يُشْرَعُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِحَالٍ .
وَأَيْضًا : فَحَلْقُ الرَّأْسِ لَيْسَ مِنَ النَّظَافَةِ الْمَأْمُورِ بِهَا كَالتَّقْلِيمِ وَأَخْذِ الشَّارِبِ ، وَلَا الزِّينَةِ الْمَنْدُوبِ إِلَيْهَا كَلُبْسِ الثِّيَابِ ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ نُسُكًا لَكَانَ عَبَثًا مَحْضًا ; إِذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ أَصْلًا ... .
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَقْصُودُ إِزَالَةَ وَسَخٍ لَمَا اكْتَفَى بِمُجَرَّدِ التَّقْصِيرِ ، فَالِاكْتِفَاءُ بِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ وَضْعُ شَيْءٍ مِنْ شَعْرِهِ لِلَّهِ تَعَالَى .
[ ص: 545 ] وَأَيْضًا فَإِنَّ الْحَلْقَ يَجْمَعُ صِفَاتٍ مِنْهَا : أَنَّهُ تَحَلُّلٌ مِنَ الْإِحْرَامِ ; لِأَنَّهُ كَانَ مَحْظُورًا قَبْلَ هَذَا ، وَالتَّحَلُّلُ مِنَ الْعِبَادَةِ عِبَادَةٌ كَالسَّلَامِ .
وَمِنْهَا أَنَّ وَضْعَ النَّوَاصِي نَوْعٌ مِنَ الذُّلِّ وَالْخُضُوعِ ؛ وَلِهَذَا كَانَتِ الْعَرَبُ إِذَا أَرَادَتِ الْمَنَّ عَلَى الْأَسِيرِ ، جَزَّتْ نَاصِيَتَهُ وَأَرْسَلَتْهُ ،
nindex.php?page=treesubj&link=3277وَأَعْمَالُ الْحَجِّ مَبْنَاهَا عَلَى الْخُضُوعِ وَالذُّلِّ .
وَمِنْهَا أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِيهِ تَرَفُّهٌ بِإِلْقَاءِ وَسَخِ الرَّأْسِ وَشَعَثِهِ وَقَمْلِهِ ، لَكِنَّ هَذَا الْقَدْرَ يُمْكِنُ إِزَالَتُهُ بِالتَّرَجُّلِ ، فَلَوْ فُرِضَ أَنَّهُ مِنْ أَنْوَاعِ الْمُبَاحَاتِ بِبَعْضِ صِفَاتِهِ لَمْ يَمْنَعْ أَنْ يَكُونَ مِنْ نَوْعِ الْعِبَادَاتِ بِبَاقِي الصِّفَاتِ . . .