الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            معلومات الكتاب

            الغرب ودراسة الآخر (أفريقيا أنموذجًا)

            علي القريشي

            الفصل الثالث

            المنهج المعرفي الإسلامي

            في العلوم الإنسانية والاجتماعية وتطبيقاته في أفريقيا المسلمة

            تمهيد

            إبان ازدهار الحضارة الإسلامية لم يواجه المسلمون أزمة معرفية مثلما هـو الحال اليوم، ذلك أن الامتلاء المعرفي الذي وفره الإسلام، سواء من حيث مصادره أو منهجيته أو المناخ السائد في ظله، قد حال دون ذلك، فذخيرة الباحث المسلم كانت تعينه على مواجهة الظواهر بعقل فاحص، وبصيرة حية، وقدرة على الاستنباط والكشف، على النحو الذي كان يساعده على المقاربات العلمية على نحو مستقل. ولهذا ما كان ليشعر بأي نقص وهو يتعامل مع ما أبدعه الآخرون، فالحكمة ضالة المؤمن يتلقفها أنى وجدها، وقد كانت سلطة المعرفة في المجتمع الإسلامي لا تجد أية غضاضة في التعامل مع المعطيات المعرفية الأجنبية، أخذا أو استعارة أو اقتباسا، بخاصة وأن ذلك كان يتم في إطار « الأسلمة » في الجانب الذي يحتاج إلى «أسلمة»، وفي إطار التكييف أو التوطين في الجانب الذي يحتاج إلى تكييف أو توطين، الأمر الذي كان يجعل من الوضع المعرفي أكثر أصالة وتطورا ووثوقا. [ ص: 101 ]

            ضمن هـذا السياق، انطلقت حركة الترجمة في عهد الخليفة المأمون وما تلاه، حيث تم تعريب بعض المعارف والعلوم الإغريقية والرومانية والهندية والفارسية، في إطار من الرؤية المعرفية الإسلامية، ووفقا لأهداف الإسلام الثقافية والحضارية، وبالتالي لم يكن الوسط الثقافي الإسلامي يواجه آنذاك إشكالية الأصالة والمعاصرة، ولا الخوف مما نسميه اليوم بالغزو الثقافي، غير أن خروج المسلمين من دائرة الحضارة، وانقطاعهم عن إنتاج المعرفة الحية، ودخولهم عوالم التخلف، جعلهم ومنذ ما يزيد على خمسة قرون في وضع المعتمد على الآخرين في العديد من المجالات، ومنها المجال المعرفي والعلمي، وبشكل يكاد أن يكون كليا.

            إلا أنه ومنذ النصف الثاني من القرن العشرين الميلادي، بدأ بعض المفكرين والعلماء والباحثين ينتبهون إلى هـذه الظاهرة، ويتحسسون المأزق، ويعملون على مواجهته وتجاوزه، من خلال بذل الجهد في تأصيل منهج معرفي، يقاربون من خلاله قضايا الإنسان والمجتمع في العالم الإسلامي، ويدرسون ظواهره وإشكالياته على نحو مستقل.

            وفي الفصل السابق، كنا قد تعرضنا إلى الأسس والمكونات العامة لهذا المنهج، والآن نحاول استصحابه على نحو تطبيقي من خلال العودة إلى ما تعرضنا إليه من مسائل: [ ص: 102 ]

            التالي السابق


            الخدمات العلمية