الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          معلومات الكتاب

          قيم الإسلام الحضارية (نحو إنسانية جديدة)

          الدكتور / محمد عبد الفتاح الخطيب

          تمهيد

          القيم الحضارية في الإسلام... الدلالة وبناء المفهوم

          أولا: مفهوم القيم:

          كلمة "قيم" على ما يذكر اللغويون، جمع "قيمة"، ومادتها "قوم"، جاء في تاج العروس: "القيمة بالكسر واحدة القيم، وهو ثمن الشيء بالتقويم، وأصله الواو لأنه يقوم مقام الشيء، ويقال: ماله قيمة، إذا لم يدم على شيء، ولم يثبت.. واستقام الأمر: اعتدل.. والقوام كسحاب: العدل.. و القوام بالكسر: نظام الأمر وعماده وملاكه الذي يقوم به.. وكل من ثبت على شيء وتمسك به، فهو قائم عليه.. والقيم كعنب: الاستقامة.. وتقاوموه فيما بينهم: إذا قدروه في الثمن. وإذا انقاد الشيء واستمرت طريقته فقد استقام لوجهه.. وأمر قيم: مستقيم ، وخلق قيم: حسن، ودين قيم : مستقيم لا زيغ فيه، وكتب قيمة: مستقيمة تبين الحق من الباطل.. والقيم: السيد وسائس الأمر" [1] .

          فهي مادة تتعلق، في حقلها الدلالي، بعدة معان، تدور في غالبيتها حول: قيمة الشيء وقدره أو مقداره، والتقويم والاعتدال، والاستقامة وعدم الميل، والثبات والتحكم في الأمور، ومن ذلك قوله تعالى: ( فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك [ ص: 19 ] الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) (الروم:30) ، فقوله تعالى: ( ذلك الدين القيم ) أي: الثابت الذي لا يتغير، والمستقيم الذي لا عوج فيه، والذي يملك القيام على شؤون الحياة والإنسان، كما يملك القيمومة على الواقع كله؛ لأنه لا ينطلق من حالة طارئة قابلة للزوال تبعا لزوال ظروفها المحيطة بها، بل من حالة عميقة في عمق المصلحة الإنسانية، ممتدة بامتدادها؛ ومن ثم كان به قيام حياة الناس، وبه يثبت توازن أوضاعهم [2] .

          و "القيم" بهذا الاعتبار، مفهوم جامع لكثير من المعاني والدلالات، التي تسوغ إطلاقه على: كل ما من شأنه أن يمثل "معيارا" و "ميزانا" يتحرك من خلاله الإنسان، ويتصرف، وعيا وسعيا، بوحي من إشاراته وتوجيهاته، بحيث تكون هذه الحركة في استقامة وثبات، وبه يكون لهذه الحركة قدرها وفاعليتها.

          التالي السابق


          الخدمات العلمية