1- الخبرة التاريخية:
إن تاريخ التفاعل بين الشرق والغرب يعود إلى ما قبل ظهور الحضارتين الإسلامية والغربية، فقد غزا الفينيقيون والفرس أكثر من مرة [ ص: 90 ] الأطراف الجنوبية والشرقية لأوروبا. وفعل اليونانيون والرومان الشيء نفسه، وأخضعوا لسلطانهم مناطق مختلفة من الشرق. وفي إطار هذا الصراع تم انتقال الفلسفة الإغريقية إلى الشرق، وانتقال الديانتين اليهودية والمسيحية منه إلى الغرب، ووجدت جاليات كل منهما في إقليم الآخر. وكانت السيـطرة الرومـانية على أراض شـاسعة في آسيـا وأفريقيا، ثم شن المسلمون حملة تحرير لأراضيهم من السيطرة الرومانية، وامتدت هذه الحملة إلى الغرب الأوروبي.
وأيا كانت الاستفادة من الوجود الإسلامي في الغرب، فقد مثل استفزازا مباشرا للقوى الغربية، مما دفع الأخيرة إلى مقاومته في حركة مسلحة انتقلت، ابتداء من القرن الحادي عشر، من تحرير أراضيها إلى غزو بلاد الإسلام، فيما عرف بالحروب الصليبية. لكن المسلمين طردوها في نهاية القرن الثالث عشر.
ومع نهاية القرن الثامن عشر بدأ الغزو الغربي للشرق الإسلامي بالحملة الفرنسية على مصر، وامتد إلى القرن التالي، حيث تحول إلى هجمة أوروبية واسعة أسفرت عن سيطرة استعمارية لمعظم أرجاء العالم الإسلامي، مع إقامة نواة المشروع الصهيوني في قلبه.
ومن بين السمات العديدة، التي يمكن أن يكشف عنها المتأمل في مسار التفاعل بين الشرق والغرب غلبة الأسلوب الصراعي بين الطرفين، مع [ ص: 91 ] حدوث تحول ملحوظ في هذا المجال بالانتقال من المواجهة العسكرية الشاملة إلى الغزوات المحدودة. ثم التراجع عن الغزو العسكري إلى أشكال أخرى كالغزو الثقافي والسياسي والاقتصادي
[1] .