2- عدم التوازن بين الغرب والشرق:
يبدو عدم التوازن بين الشرق والغرب في مظاهر عديدة يبرز من بينها ثلاثة بصورة رئيسة: تقدم الثاني مقابل تخلف الأول، مما يفرض نوعا معينا من العلاقة، وميل الشرق لربط الحياة السياسية بالدين مقابل سيادة الاتجاه العلماني في الغرب، وأخيرا هيمنة الحضارة الغربية دون منافس. وهي أمور لابد أن تؤثر على طبيعة المصالح المشتركة من جهة ومسار التواصل بين الطرفين من جهة أخرى.
- التقدم مقابل التخلف:
انطلق الغرب في تحديد طبيعة علاقته بالعالم الثالث، والشرق جزء منه، من خلال ما أنجزه هو من تطور حضاري، وبخاصة في الاقتصاد والعلوم والتكنولوجيا، وذلك لما لهذه المجالات من تأثير على المجالات الأخرى، وبالتالي على مكانة الدول ومواقعها على المسرح الدولي. [ ص: 92 ]
فهو يعيش منذ وقت طويل حالة من التقدم تجسدت في القدرة على (خلق) الثروة والتكنولوجيا الحديثة وما يرتبط بذلك من ثورة في المواصلات والاتصالات والمعلومات. بينما لا يزال عصر الفحم والحديد، يمثل بالنسبة للدول الفقيرة، أكثر من حلم. ولم يتمكن الكثير منها من الاقتراب من تكنولوجيا المعلومات.
وأصبحت الدول المتقدمة تتحكم في السياسة الاقتصادية للدول الأخرى، حيث يبقى دور معظمها في الغالب تصدير المواد الخام والسلع الأخرى، التي تخفض من تكاليف عملية التصنيع، واستقبال الصناعات المعقدة كالسيارات والطائرات وأجهزة الكمبيوتر وغيرها من الصناعات الإلكترونية الأخرى.
ولا أحد ينكر أن جانبا من أسباب ضعف الدول النامية يرتبط بوضعها الداخلي، فالعادات والتقاليد المتخلفة والتركيب الاجتماعي البدائي يحول في كثير من الأحيان دون استيعاب برامج حديثة تسمح ببلوغ مستويات عالية من النمو الاقتصادي. ويقترن بذلك تغليب المصالح الفردية الضيقة على المصلحة العامة.
- الطابع الديني مقابل العلمانية:
لا شك أن الإسلام يمثل نظاما شاملا، ومعتقداته صالحة لكل زمان ومكان، لكن مفكرين غربيين ينظرون إليه كنظام ميتافيزيقي جامد لا يتغير، [ ص: 93 ] ولا يمكن المسلمين من التكيف مع الظروف والأزمنة المختلفة. بخلاف العلمانية، التي تمثل نظاما بلور بفضل العقل والعلم مفاهيم براغماتية حديثة ومعاصرة كالديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق المرأة .
لذلك يبدو في الغرب أن الإسلام الأصولي، يمثل أكبر عائق أمام تطبيق الديمقراطية. وذلك من منطلق أن مفاهيمه السياسية تختلف وتتناقض مع مقومات الديمقراطية، لاسيما وأن الشرعية الحكومية تنبع من العقيدة الدينية. ولذلك يلاحظ عدم تطبيق الديمقراطية إلا في عدد قليل من الدول الإسلامية مثل تركيا والباكستان [1] . ولا يختلف الأمر فيما يتعلق بالتزام المسلمين بالحقوق الفردية للجنسين.
ومع أن هـذه النظرة تفتقر عموما إلى الكثير من الدقة، فإنه يلاحظ أن الغـرب ينظر إلى مواقـف المسـلمين، متدينين وغـير متدينين، عـلى أنها مواقف متماثلة دون مراعاة للفروق الواضحة بين الحركات الإسلامية، حيث إنها جميعها لا تتفق على موقف موحد من القضايا المطروحة، ومواقفها متباينة في هذا الخصوص [2] . [ ص: 94 ]
ج- سيادة الحضارة الغربية مقابل غياب المشروع الحضاري الشرقي:
من المعروف أن الغرب تطور تاريخيا عبر مراحل عديدة، بحيث تمكن من إنتاج أنموذج حضاري غاية في التقدم. وسرعان ما انتشر على نطاق عالمي ليطبع العالم بطابع ذلك النموذج. لذلك بدا أن العالم بات يشهد منذ القرن الماضي وجود حضارة متحكمة بقوتها وسائدة بقيمها. ففي منتدى دافوس الاقتصـادي العالمي، مثلا، يلتقي كل عام ممثلون لحكومات أو هيئات أو مؤسسات أكاديمية ذات اهتمامات دولية واسعة، وهم يشتركون في الأفكار الخاصة بهذه الحضارة، كالحرية الفردية، واقتصاد السوق، والديمقراطية.
أما الشرق فإنه يفتقر إلى المشروع الحضاري المعاصر القادر على مواجهة الحضارة الغربية، وذلك لأنه، من وجهة نظر البعض يرتكز على الدين الإسلامي، الذي ليس له في واقعه الحالي أي جاذبية خارج المناطق ذات الثقافة الإسلامية، صحيح أن الحضارة الإسلامية كان لها التفوق في العصور الوسطى لكنها أخذت تتراجع بعد ذلك [3] .
لقد تصور "فوكوياما Fukuyama" أن الإسلام لن ينجح في أي مواجهة مع الحضارة الغربية، من منطلق أن زمن توسع الإسلام قد ولى. فهو غير قادر على كسب الشباب في أوروبا وآسيا، كما أنه ليس بوسع [ ص: 95 ] المسلمين اليوم تحدي الديمقراطية الليبرالية في بلادها. والأكثر من ذلك هو أن العالم الإسلامي بات أكثر عرضة للتأثر بالأفكار الليبرالية، بعد أن جذبت الأخيرة الكثير من الأنصار من المسلمين أنفسهم [4] .