: فالأول ضامن لها ; لأنه متعد بالتسليم إلى غير من أمر بحفظها منه ، ولا ضمان على مودع المودع في قول ( رجل ) استودع رجلا وديعة فأودعها المستودع غيره ، من غير عياله ، فهلكت - رحمه الله - وفي قول أبي حنيفة أبي يوسف - رحمهما الله تعالى - : هو ضامن لها أيضا ، ولصاحب المال الخيار ، يضمن أيهما شاء . " وعند ومحمد " : لا ضمان على واحد منهما ; بناء على أصله : أن للمودع أن يودع غيره - وقد بينا هذا - . فأما هما فيقولان : الأول متعد في التسليم بغير إذن المالك ، والثاني متعد في القبض بغير إذن المالك فكان للمالك أن يضمن أيهما شاء ، كالغاصب مع غاصب الغاصب . فإن ضمن الأول لم يرجع على الثاني ; لأنه بالضمان ملك ; فتبين أنه أودع ملك نفسه ، وقد هلكت في يد المودع ، وإن ضمن الثاني رجع على الأول ; لأنه مغرور من جهته فإنه أودعه على أنه ملكه ، وأنه لا يلحقه الضمان فهلك في يده . ابن أبي ليلى
فإذا لحقه الضمان رجع عليه ، ولأنه في القبض ، والحفظ كان عاملا له فيرجع عليه بما يضمن بسببه - رحمه الله تعالى - يقول : الأول يصير ضامنا بالتسليم إلى الثاني بدليل أنه لو سلمها إليه ليحفظها بحضرته ، فهلكت : لم يضمن واحد منهما ، وإنما يصير الأول ضامنا ; بترك الحفظ حين غاب بعد ما سلمها إلى الثاني . وأبو حنيفة
فأما الثاني لم يترك الحفظ ، بل هو مقبل على الحفظ حين هلكت ، فلا يضمن شيئا . يوضحه : أن أصل قبض الثاني لم يكن موجبا للضمان عليه ، حتى لو هلك قبل غيبة الأول لم يضمن ، ولم يوجد من جهته صنع بعد ذلك ; فيصير به ضامنا ، والضمان لا يجب بدون الصنع ، إنما وجد الصنع من الأول - وهو الذهاب ، وترك الحفظ - ولما لم يصر الثاني ضامنا بالقبض ، كان هذا في حقه كثوب هبت به الريح ، وألقته في حجره ، فإذا هلكت من غير صنعه لم يضمن . يقرره : أن الأول لما لم يضمن بمجرد التسليم ، وإنما ضمن بتركها في يد الثاني بعد غيبته ، فقد صارت يده يدا معتبرة في إيجاب الضمان على الأول ، ولا يمكن اعتبار تلك اليد بعينها في إيجاب الضمان على الثاني كأجير القصار ، إذا دق الثوب وتخرق ، لما وجب الضمان على الأستاذ بسبب فعل الأجير ، ولم يجب على الأجير شيء من [ ص: 133 ] الضمان ; لأنه لو ضمن إنما يضمن بذلك الفعل أيضا ، والفعل الواحد لا يكون موجبا للضمان على الشخصين ، فهذا مثله ، بخلاف الغاصب مع غاصب الغاصب : فإن كل واحد منهما إنما يصير ضامنا بفعله - وهو غصبه - وغصب أحدهما غير غصب الثاني ، ولهذا يعتبر في كل حق واحد منهما قيمته حين غصبه ، والله - سبحانه وتعالى - أعلم بالصواب .