الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
قال : ( وإذا اشترك الرجلان في عبد قبل أن يشترياه ، فقال كل واحد منهما لصاحبه : أينا اشترى هذا العبد فقد أشرك فيه صاحبه ، أو قال : فصاحبه فيه شريك له . فهو جائز ) ; لأن كل واحد منهما يصير موكلا لصاحبه بأن يشتري نصف العبد له . فأيهما اشتراه كان مشتريا نصفه لنفسه ونصفه لصاحبه ; بوكالته . فإذا قبضه فذلك كقبضهما جميعا ; لأن القبض من حقوق العقد ، وذلك إلى العاقد . ثم يد الوكيل كيد الموكل ، ما لم يمنعه منه ، حتى إذا مات كان من مالهما جميعا . ( فإن اشترياه معا ، أو اشترى أحدهما نصفه قبل صاحبه ، ثم اشترى صاحبه النصف الباقي : كان بينهما ) ; لأنهما إن اشترياه معا فقد صار كل واحد منهما مشتريا نصفه لنفسه ، وإن اشترى أحدهما نصفه فقد صار مشتريا نصف هذا العبد لنفسه [ ص: 172 ] ونصفه لصاحبه ، وكان العبد بينهما ; فإن نقد أحدهما الثمن بأمر صاحبه أو بغير أمره ، وقد كانا اشتركا فيه قبل الشراء - على ما وصفت لك - فإنه يرجع بنصف الثمن على شريكه ; لأن بالعقد السابق بينهما صار كل واحد منهما وكيل صاحبه في نقد الثمن من ماله . ألا ترى أنه لو اشتراه أحدهما ، ونقد الثمن رجع على شريكه بنصفه ، بحكم تلك الوكالة ، . فكذلك إذا اشترياه وأدى الثمن أحدهما فإنما أدى النصف عن نفسه ، والنصف عن شريكه بوكالته ، فيرجع به عليه . قال : ( فإن أذن كل واحد منهما لصاحبه في بيعه ، ثم باعه أحدهما على أن له نصفه : كان بائعا لنصف شريكه بنصف الثمن ; فإن باعه إلا نصفه ، كان جميع الثمن ونصف العبد بينه وبين شريكه نصفين ) في قياس قول أبي حنيفة رحمه الله ، وفي قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله : البيع على نصف المأمور خاصة . فيحتاج في تخريج هذه المسألة إلى معرفة فصلين ( أحدهما ) : أن " عند أبي حنيفة " الوكيل ببيع العبد يملك بيع نصفه ، والوكيل ببيع نصف العبد يملك بيع نصف ذلك النصف . " وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله " لا يملك ، وقد بينا هذا في كتاب الوكالة .

( والثاني ) : أن العبد إذا كان لواحد فقال لرجل : بعته منك إلا نصفه بألف درهم ، كان بائعا للنصف بألف درهم ، ولو قال : بعته منك بألف درهم على أن لي نصفه ، كان بائعا للنصف بخمسمائة ; لأن الاستثناء والكلام المقيد بالاستثناء يكون عبارة عما وراء المستثنى . فكأنه قال : بعت منك نصفه بألف درهم . فأما قوله : على أن لي نصفه ، ليس باستثناء ، بل هو عامل على سبيل المعارضة للأول ; فكان الإيجاب الأول متناولا لجميعه ، وبالمعارضة تبين أنه جعل الإيجاب في نصفه للمخاطب ، وفي نصفه لنفسه ، وذلك صحيح منه إذا كان مقيدا . ألا ترى أن رب المال يشتري مال المضاربة من المضارب ، فيكون صحيحا ، وإن كان ذلك مملوكا له ; لكونه مقيدا ، . فهنا أيضا ضم نفسه إلى المخاطب في شراء العبد مقيد في حق التقسيم ; فلهذا كان بائعا نصفه من المخاطب بخمسمائة . إذا عرفنا هذا فنقول : البائع منهما هنا بائع نصفه بحكم الملك ، وفي النصف وكيل عن صاحبه . فإذا قال : بعته منك على أن لي نصفه ، كان إيجابه متناولا للكل . ثم قوله : على أن لي نصفه معارض ، فيكون ذلك معتبرا في تقسيم الثمن ، وفي إبقاء نصيبه على ملكه ، ويبقى موجبا للمشتري نصيب شريكه بنصف الثمن . وإذا قال : بعته إلا نصفه ; فهذا بمنزلة قوله : بعت نصفه بكذا . " فعند أبي حنيفة " ينصرف إلى النصف من النصيبين جميعا ; لأن تعين نصيبه قبل الوكالة لتصحيح تصرفه ، وبعد الوكالة تصرفه صحيح - وإن لم يتعين له نصيبه - لأن من أصله أن الوكيل [ ص: 173 ] ببيع نصف العبد يملك بيع نصف ذلك النصف ; فلهذا كان جميع الثمن ونصف العبد بينه وبين شريكه نصفين . " وعندهما " لا يمكن تصحيح تصرفه في النصيبين ; لأن الوكيل ببيع نصف العبد لا يبيع نصف ذلك النصف ، فينصرف بيعه إلى نصيب نفسه لتصحيح تصرفه .

التالي السابق


الخدمات العلمية