الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
قال : ( وإن كان رأس مال كل واحد منهما ألف درهم فاشتركا ، ولم يخلطا المال : فالشركة جائزة ) . وفي النوادر قال : في القياس لا تكون الشركة مفاوضة بينهما قبل خلط المالين ; لأن كل واحد منهما مختص بملك مال يصلح أن يكون رأس مال في الشركة ، وذلك ينفي المفاوضة ، وفي الاستحسان : يجوز ; لأن المساواة موجودة بينهما - وإن لم يخلطا المال - واختصاص أحدهما بملك مال غير صارف للمفاوضة بعينه ، بل بانعدام المساواة . فإذا كانت المساواة موجودة : كان الخلط وعدم الخلط سواء ; فإن هلك أحد المالين يهلك من مال صاحبه - على ما بينا في شركة العنان - وتبطل الشركة بينهما . وإن اشتريا بأحد المالين : في القياس تبطل المفاوضة أيضا ; لأن المشترى صار بينهما نصفين ، والآخر مختص بملك رأس ماله ، فتنعدم المساواة ، وفي الاستحسان لا يبطل العقد . وللاستحسان وجهان : ( أحدهما ) أن المساواة قائمة معنى ; لأن الآخر ، وإن ملك نصف المشترى فقد صار نصف الثمن مستحقا عليه لصاحبه ، ونصف ماله مستحق به لصاحبه .

( والثاني ) أن ما لا يمكن التحرز عنه يجعل عفوا ، ولا يمكن [ ص: 178 ] التحرر عن هذا التفاوت عادة . فقلما يجدان شيئا واحدا يشتريانه بمالهما . ولا بد من أن يكون الشراء بأحد المالين قبل الآخر ، فيجعل هذا عفوا لعدم إمكان التحرز عنه . قال : ( فإن كانت دراهم أحدهما بيضا ودراهم الآخر سودا : فهو كذلك ) ; لأن السود والبيض كل واحد منهما يصلح أن يكون رأس مال في الشركة . وبتفاوت الوصف ينعقد الاختلاط . وقد بينا أن الخلط ليس بشرط ، إلا أن يكون لأحدهما على الآخر فضل في الصرف ; فلا تجوز شركة المفاوضة لانعدام التساوي بينهما إلا في رواية عن أبي يوسف رحمه الله ، وقد بينا هذا . ثم تكون الشركة بينهما عنانا ; لأن تحصيل مقصود المتعاقدين بقدر الإمكان واجب ، والعنان قد يكون عاما وقد يكون خاصا ، وهذا عنان عام . وإن لقباه بالمفاوضة فهو لقب فاسد ; لانعدام شرط المفاوضة ، ولكن لا يبطل به أصل الشركة ; فإن كان شراء يوم وقعت الشركة ، ثم صار في أحدهما فضل قبل أن يشتريا شيئا : فسدت المفاوضة أيضا ; لأنه اعترض بعد العقد قبل حصول المقصود به ما يمنع ابتداء العقد - وهو التفاوت في ملك المال - فيكون مبطلا للعقد كما لو ورث أحدهما مالا يصلح أن يكون رأس مال في الشركة تفسد به المفاوضة ، وإن كان ذلك بعد الشراء بالمالين جميعا ، فالشركة جائزة ; لأن المقصود قد حصل حين اشتريا بالمالين ، فلا معتبر بما يظهر من التفاوت في العرف بعد ذلك .

( فإن قيل ) : أليس أنه لو ورث أحدهما مالا بعد الشراء بالمالين ، أو وهب له مال فسدت المفاوضة . ( قلنا ) : لأن المساواة في ملك المال منعدم هناك بما اختص به أحدهما ، وهنا لا ينعدم ; لأن ملكهما تحول من الدراهم إلى المشترى ، والمشترى بينهما نصفان . ( فإن قيل ) : لا كذلك بل لكل واحد منهما على صاحبه نصف رأس ماله دينا عليه حتى لو هلك المشترى يرجع كل واحد منهما على صاحبه بنصف رأس ماله فتنعدم المساواة أيضا بظهور الفصل في النصف . ( قلنا ) : نعم ، ولكن ما استوجبه كل واحد منهما على صاحبه دين عليه ، والدين لا يصلح أن يكون رأس مال في الشركة فالتفاوت بينهما في ذلك لا يمنع بقاء المفاوضة ، كما لو ورث أحدهما دينا أو عرضا ، وكذلك لو كان رأس مال أحدهما ألف درهم ، ورأس مال الآخر مائة دينار . فإن كانت قيمتها مثل الألف : فالشركة بينهما مفاوضة ، وهذا في التفريع كالسود والبيض ، وإن كانت قيمة الدنانير أكثر من ألف درهم لم تجز المفاوضة لانعدام المساواة ، وكانت الشركة بينهما عنانا حتى لا يطالب كل واحد منهما بما يجب على صاحبه ; لأن ذلك من حكم الكفالة الثابتة [ ص: 179 ] بالمفاوضة .

التالي السابق


الخدمات العلمية