الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ثم ختم الباب في الأصل بما إذا اشترك الرجلان شركة مفاوضة ، وليس لهما مال على أن يشتريا بوجوههما ، أو يعملا بأبدانهما ، وقد بينا جواز المفاوضة في هذين النوعين من الشركة ، كالعنان ، إلا أن في المفاوضة لا يجوز اشتراط التفاوت بينهما ، وفي العنان لا يجوز ذلك في شركة الوجوه ، إلا أن يشترطا التفاوت في ملك المشتري . وفي التقبل يصح منهما اشتراط التفاوت ، وبعض العراقيين من مشايخنا - رحمهم الله يقول : لا فرق . وتأويل ذلك أنه إن اشترطا التفاوت في التقبل ، فأما مع اشتراط التساوي في أصل التقبل ; لا يصح منهما اشتراط التفاوت في الربح ، ولكن هذا بعيد ; لأنه ذكر قبل هذا . وفي النوادر أيضا أن الربح بينهما على الشرط ، والوضيعة بينهما نصفان ، ولو كان التفاوت بينهما في أصل التقبل لكانت الوضيعة على ذلك ، ولكن الفرق من وجهين ، ( أحدهما ) : أن في التقبل هما تابعان للعمل ، فقد يكون بينهما تفاوت في العمل ، فيصح منهما اشتراط التفاوت في الربح . فأما في شركة الوجوه : هما متساويان بثمن في ذمتهما ، فمع التساوي في ملك المشتري لا يصح منهما شرط التفاوت في الربح . وتوضيح الفرق أن المنافع إنما تتقوم بالعقد ، فمنفعة كل واحد منهما تتقوم بقدر ما شرط لنفسه من الربح ، بخلاف عين المشتري ; فإنه يتقوم بنفسه ; فلا يصح من أحدهما اشتراط شيء من ربح مال صاحبه من غير رأس مال ، ولا ضمان .

وإذا تقبل العمل أحدهما ، فإن كانا متفاوضين فلا إشكال أن الآخر مطالب بذلك . فأما إذا كانت الشركة بينهما مطلقة ; فقد ذكر في النوادر - قياسا واستحسانا - في هذا الفصل في القياس لا يطالب إلا من تقبل ; لأن الشركة بينهما عنان ، وذلك لا يتضمن الكفالة . ألا ترى أنه لو أقر أحدهما بدين لإنسان لا يطالب الآخر به ، فكذلك إذا تقبل العمل . وفي الاستحسان يكون الآخر مطالبا به ; لأن هذا التقبل مقصود بالشركة ، ففيما هو المقصود يقوم كل واحد منهما مقام صاحبه ، ويكونان فيه بمنزلة المتفاوضين . وعلى هذا : إذا عمل أحدهما ; كان للآخر أن يطالب بالأجر - استحسانا - لأنه هو المقصود بعقدهما . وبيان كونه مقصودا : أن [ ص: 216 ] الشركة التي بينهما لا تنفك عن هذا - بخلاف الإقرار في الدين - . وذكر الشارح عن أبي يوسف رحمهما الله أن كل واحد منهما ضامن لما جنت يد أحدهما - استحسانا أيضا - وأنه لو ادعى عينا في يدهما على أحدهما أنه تقبل العمل فيه ، فأقر به نفذ إقراره في نصيب شريكه - أيضا استحسانا - ومحمد رحمه الله في هذين الفصلين يأخذ بالقياس ، فيقول : إقراره بالعين كإقراره بالدين ، وما يتلف بجناية في يده بمنزلة غصبه واستهلاكه ، والشركة بينهما قد تنفك عن ذلك ، فلا يطالب الشريك بشيء من ذلك وأبو يوسف رحمه الله أخذ بالاستحسان ; لأن وجوب ضمان ما جنت يده باعتبار العمل ، وما في العمل كالمتفاوضين فكذلك فيما يجب باعتباره له أو عليه ، وكذلك الإقرار بالعين فإن الشركة لا تنفك من ذلك ; لأن من يسلم إلى أحدهما العمل فلا بد له من أن يسلم إليه محل العمل ، وما يتقبله أحدهما يثبت عليه يدهما عند إقامة العمل ، فإذا لم يصح إقراره في حق شريكه يحذر الناس من المعاملة مع كل واحد منهما ; فلهذا أخذنا بالاستحسان ، والله سبحانه وتعالى أعلم

.

التالي السابق


الخدمات العلمية