الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وعن عبد الله بن يزيد قال : سألت سعيد بن المسيب رضي الله تعالى عنه عن شيء كان قومي يصفونه بالبادية ينصبون السنان فيصبح وقد قتل الضبع ، فقال لي : وإنك ممن يأكل الضبع . ؟ قلت : ما أكلتها قط ، فقال رجل عنده : حدثنا أبو الدرداء رضي الله تعالى عنه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل كل ذي خطفة ونهبة ومجثمة وعن كل ذي ناب من السباع } فقال ابن المسيب رضي الله تعالى عنه صدقت ، وفي هذا دليل على أن الضبع غير مأكول اللحم ، وهو مذهبنا ، وقال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى ولا بأس بأكل الضبع { لحديث جابر رضي الله تعالى عنه أنه سئل عن الضبع أصيد هو . ؟ قال : نعم ، فقيل : يؤكل لحمه . ؟ قال : نعم فقيل : أشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم . ؟ قال : نعم } وحجتنا في ذلك الحديث الذي روينا وحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن { رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع ، ومخلب من الطير } ولأنه ذو ناب يقاتل بنابه ، فلا يؤكل لحمه كالذئب ، وتأثيره ما ذكرنا أنه مستخبث باعتبار ما فيه من القصد إلى الأذى والبلادة ، فيدخل في جملة قوله تعالى : { ويحرم عليهم الخبائث } وحديث جابر رضي الله تعالى عنه إن صح فتأويله أنه كان في زمن الابتداء ثم انتسخ بنزول الآية ، وهذا لأن الحرمة ثابتة شرعا فما يروى من الحل يحمل على أنه كان قبل ثبوت الحرمة ، ولا خلاف في أن الضبع صيد بحسب الجزاء على المحرم بقتله عندنا ; لأنه صيد ، وعنده لأنه مأكول اللحم ، فأما معنى حديث أبي الدرداء رضي الله عنه فالمراد بالخطف ما يختطف بمخلبه من الهواء كالبازي والعقاب والشاهين ، والمنهبة ما ينتهب بنابه من الأرض كالأسد ، والذئب والفهد والنمر ، وفي ذكر هذين الموضعين إشارة إلى معنى الحرمة حتى لا يسري إلى الأكل هذا الخلق الرديء ، وفي المحتمة روايتان بالفتح والكسر ، ومعنى الرواية بالفتح ما يحتم عليه الكلب فيقتله غما لا جرحا ، فذلك الصيد حرام لانعدام معنى الذكاة فيه ، ومعنى الرواية بالكسر ما يحتم على الصيود كالذئب والأسد والفهد ، فإنه غير مأكول ، ومعنى قوله { وعن كل ذي ناب من السباع } ما يقصد بنابه ، ويدفع به ، فأما أصل الناب يوجد لكل صيد ، فعرفنا أن المحرم ما بينا .

التالي السابق


الخدمات العلمية