الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
قال وإذا توارى الكلب والصيد عن المرسل المسلم ثم وجده المسلم ، وقد قتله وليس فيه أثر غيره حل تناوله إذا لم يترك الطلب ; لأنه يستطاع الامتناع منه ، والتواري عن بصره لا يستطاع الامتناع عنه خصوصا في القناص والمستأجر ، والطير بعد إصابة السهم ربما يتحامل ، ويطير حتى يغيب عن بصره فيسقط ، فإن كان ترك الطلب إلى عمل آخر حتى إذا كان قريبا من الليل طلبه فوجد الصيد ميتا ، والكلب عنده والبازي ، وبه جراحة لا يدرى الكلب جرحه أو غيره لم يحل أكله عندنا ، وقال الشافعي رحمه الله تعالى يحل لأنه ظهر لموته سبب ، وهو ما كان منه من إرسال الكلب والبازي ، والرمي والحكم متى ظهر عقب سببه يحال عليه ، كما لو جرح إنسانا فلم يزل صاحب فراش حتى مات فجعل قاتلا له ، ولكن نستدل بما روي { أن رجلا أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم صيدا فقال عليه الصلاة والسلام : من أين لك هذا . ؟ قال : كنت رميته بالأمس ، وكنت في طلبه حتى حال بيني وبينه ظلمة الليل ، ثم وجدته الليل ، وفيه من باقي فقال عليه الصلاة والسلام : لعل بعض الهوام أعانك على قتله ، فلا حاجة لي فيه } ، وقال ابن عباس كل ما أصميت ودع ما أنميت ، والإنماء التواري عن بصرك إلا أن قدر ما لا يستطاع الامتناع عنه جعل عفوا ، فأما ترك الطلب مما يستطاع الامتناع عنه ، والثابت بالضرورة ، ولا يعدو موضع الضرورة ، ثم في المدة القصيرة يؤمن إصابة آفة أخرى إياه ، ولا يؤمن ذلك إذا ترك الطلب وطالت المدة ، ولأنه لا يدري فلعله لو لم يترك الطلب وجده حيا فذكاه ، فمن هذا الوجه يكون تاركا ذكاة الاختيار فيه مع القدرة عليه ، وإن وجده وفيه جراحة أخرى ليس له أن يأكله ترك الطلب أو لم يترك ; لأنه ظهر لموته سببان أحدهما موجب للحل والآخر موجب للحرمة فيغلب كما لو وقعت الرمية في الماء .

التالي السابق


الخدمات العلمية