ولما أعلى رتبة القول الحكيم؛ بين أن الفعل أعلى منه؛ لأنه المقصود بالذات؛ والقول وسيلة إليه؛ فقال - دالا على علوه بتغيير السياق -: والعمل الصالح يرفعه ؛ هو - سبحانه - يتولى رفعه؛ ولصاحبه عنده عز منيع؛ ونعيم مقيم؛ وعمله يفوز؛ قال الرازي؛ في اللوامع: العلم إنما يتم بالعمل؛ كما قيل: "العلم يهتف بالعمل؛ فإن أجاب؛ وإلا ارتحل"؛ انتهى؛ وقد قيل:
لا ترض من رجل حلاوة قوله ... حتى يصدق ما يقول فعال
فإذا وزنت مقاله بفعاله
... فتوازنا فإخاء ذاك جمال
ولما بين ما يحصل العزة من الحكمة؛ بين ما يكسب الذلة؛ ويوجب النقمة؛ من رديء الهمة؛ فقال: والذين يمكرون ؛ أي: يعملون على وجه [ ص: 20 ] الستر المكرات السيئات ؛ أي: يسترون قصودهم بها؛ ليوقعوها بغتة؛ لهم عذاب شديد ؛ كما أرادوا بغيرهم ذلك؛ ولا يصعد مكرهم إليه بنفسه؛ ولا يرفعه هو؛ لأنه ليس فيه أهلية ذلك؛ لمنافاته الحكمة؛ ولما كان ما ذكر من مكرهم موجبا لتعرف حاله؛ هل أفادهم شيئا؟ أخبر أنه أهلكه بعزته؛ ودمره بحكمته؛ فقال: ومكر أولئك ؛ أي: البعداء من الفلاح؛ هو ؛ أي: وحده؛ دون مكر من يريد بمكره الخير؛ فإن الله ينفذه ويعلي أمره؛ ويجعل له العاقبة؛ تحقيقا لقوله (تعالى): ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ؛ كما أخرجكم أيها الأولياء من بيوتكم؛ لأجل العير؛ فأخرج الأعداء من بيوتهم؛ فوضعهم في قليب "بدر"؛ يبور ؛ أي: يكسد؛ ويفسد؛ ويهلك؛ فدل ذلك على شمول علمه للخير؛ والشر؛ من القول؛ والفعل؛ الخفي؛ والجلي؛ وتمام قدرته؛ وذلك معنى "العزة"؛ والآية من الاحتباك: حذف ما لصاحب العمل الصالح؛ ودل عليه بذكر ما لعامل السيئ؛ وحذف وضعه المكر السيئ؛ ودل عليه برفعه للعمل الصالح.