الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما أثبت - سبحانه - بهذا الدليل قدرته على ما هدد به أولا؛ من التحويل من حال إلى أخرى؛ فثبتت بذلك قدرته على البعث؛ [ ص: 177 ] وختم بإحاطة العلم الملزوم لتمام القدرة؛ أتبع ذلك دليلا أبين من الأول؛ فقال - عاطفا على "ألم يروا" -: أولم ير ؛ أي: يعلم؛ علما هو في ظهوره كالمحسوس بالبصر.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان هذا المثل الذي قاله هذا الكافر لا يرضاه حمار؛ لو نطق؛ أشار إلى غباوته بالتعبير بـ "الإنسان"؛ الذي هو - وإن كان أفطن المخلوقات لما ركب فيه - سبحانه - من العقل - تغلب عليه الأنس بنفسه؛ حتى يصير مثلا؛ فقال: الإنسان ؛ أي: جنسه؛ منهم؛ ومن غيرهم؛ وإن كان الذي نزلت فيه واحدا؛ أنا خلقناه ؛ بما لنا من العظمة؛ من نطفة ؛ أي: شيء يسير؛ حقير؛ من ماء لا انتفاع به؛ بعد إبداعنا أباه من تراب؛ وأمه من لحم؛ وعظام؛ فإذا هو ؛ أي: فتسبب عن خلقنا له من ذلك المفاجأة لحالة هي أبعد شيء من حالة النطفة؛ وهي أنه خصيم ؛ أي: بالغ الخصومة؛ مبين ؛ أي: في غاية البيان عما يريده؛ حتى إنه ليجادل من أعطاه العقل والقدرة في قدرته؛ أنشد الأستاذ أبو القاسم القشيري في ذلك:


                                                                                                                                                                                                                                      أعلمه الرماية كل يوم ... فلما اشتد ساعده رماني



                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية