الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ثم سبب عن الوعد بتحتم كونه ما يدل على أنه غاية في الهوان فقال: فإنما ؛ أي: يكون ذلك بسبب أنكم تزجرون؛ فتقومون؛ والزجرة التي يقومون بها إنما هي زجرة ؛ أي: صيحة؛ وأكد ما يفهمه من الوحدة؛ لأجل إنكارهم؛ تصريحا بذلك؛ وتحقيرا لأمر البعث في جنب قدرته - سبحانه وتعالى - فقال: واحدة ؛ وهي الثانية؛ التي كانت الإماتة لجميع الأحياء في [ ص: 206 ] آن واحد بمثلها؛ وأصل الزجر الانتهار؛ ويكون لحث؛ أو منع؛ وإنما يكون ذلك للمقدور عليه الذي فعل ما يغضب الزاجر؛ فلذلك سمى الصيحة زجرة.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان هذا الكلام مؤذنا بالغضب؛ حققه بصرف الكلام عن خطابهم؛ جعلا لهم بمحل البعد؛ وتعميما لغيرهم؛ فقال - معبرا بالفاء المسببة المعقبة؛ وأداة المفاجأة -: فإذا هم ؛ أي: جميع الأموات؛ بضمائرهم؛ وظواهرهم؛ القديم منهم؛ والحديث؛ أحياء؛ ينظرون ؛ أي: في الحال؛ من غير مهلة أصلا؛ ولا فارق بين من صار كله ترابا؛ ومن لم يتغير أصلا؛ ومن هو بين ذلك؛ ولعله خص النظر بالذكر؛ لأنه لا يكون إلا مع كمال الحياة؛ ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا قبض الروح تبعه البصر"؛ وأما السمع فقد يكون لغير الحي؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - قال في الكفار من قتلى بدر: "ما أنتم بأسمع لما أقول منهم"؛ وشاهدت أنا في بلاد العرقوب؛ المجاورة لبانياس؛ من بلاد الشام؛ شجرة شوك؛ يقال لها: "الغبيراء"؛ متى قيل عندها: "هات لي المنجل لأقطع هذه الشجرة"؛ أخذ ورقها في الحال في الذبول؛ فالله أعلم ما سبب ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية