وأشار إلى سفول رتبة معبوداتهم؛ وتسفيه آرائهم بانتحال الأذى؛ بقوله - صارفا الأسلوب من المتكلم؛ ولو بمظهر العظمة؛ إلى أعظم منه -: من دون الله ؛ أي: الذي تفرد بنعوت العظمة؛ وصفات الكمال؛ والمراد الذين رضوا بعبادتهم لهم؛ ولم ينكروا عليهم ذلك؛ ويأمروهم بتوحيد الله. [ ص: 209 ] ولما كانوا قد سلكوا في الدنيا طريق الشقاء المعنوية استحقوا أن يلزموا في القيامة سلوك طريقه الحسية؛ فلذلك سبب عن الأمر بحشرهم قوله - تهكما بهم؛ وتحسيرا لهم -: فاهدوهم ؛ أي: دلوهم دلالة لا يرتابون معها؛ ليعرفوا - مع ما هم فيه من الإكراه على سلوكها - مآلهم؛ فيكون ذلك أعظم في نكدهم; قال الرازي : وأصل الهداية التقدم؛ والعرب تسمي السابق "هاديا"؛ يقال: "أقبلت هوادي الخيل"؛ أي: أعناقها؛ و"الهادية": العصا؛ لأنها تتقدم ممسكها؛ و"نظر فلان هدي أمره"؛ أي: جهته.
ثم أشار إلى طول وقوفهم؛ وسوء مقامهم؛ بقوله - بأداة الانتهاء -: إلى صراط الجحيم ؛ أي: طريق النار الشديدة التوقد الواضح؛ الذي لا لبس عندهم بأنه يشترطهم فيؤديهم إليها؛ وخص هذا الاسم إعلاما بشديد توقدها؛ وعظيم تأججها؛ وبعد قعرها؛ وضخامة غمرتها - بتراكم بعضها فوق بعض -؛ وقوة اضطرامها؛ وعلو شأنها؛ واصطلامها؛ وصلابة اضطرابها؛ وتحرقها؛ واشتمالها على داخليها؛ وتضايقها؛ وفيه تهكم بهم في كونهم على غير ما كانوا عليه في الدنيا من التناصر؛ والتعاضد.