ولما نفى صلاحية الوكالة على الناس في الهدى؛ والضلال لغيره؛ ودل على ذلك بملكه؛ وملكه؛ وأخبر بتعمدهم الباطل؛ أنتج ذلك وجوب اللجاء إليه؛ والإعراض عما سواه؛ وقصر العزم عليه؛ فقال [ ص: 524 ] - معلما بذلك؛ ومعلما لما يقال عند مخالفة الداعي؛ باتباع الهوى -: قل ؛ أي: يا من نزل عليه الكتاب؛ فلا يفهم عنا حق الفهم غيره؛ راغبا إلى ربك في أن ينصرك عليهم في الدنيا؛ والآخرة؛ اللهم ؛ أي: يا الله؛ وهذا نداء محض؛ ويستعمل أيضا على نحوين آخرين؛ ذكرهما ابن الخشاب الموصلي؛ في كتابه "النهاية شرح الكفاية"؛ أحدهما أن تذكر لتمكين الجواب في نفس السائل؛ كما لضمام بن ثعلبة - رضي الله عنه - حيث قال: آلله أمرك أن تصلي الصلوات الخمس؛ فقال: "اللهم نعم"؛ إلى آخر ما قاله له؛ وسره أن المسؤول إذا ذكر الله في جوابه؛ كان ذكره إياه أبعث للسائل على تصديقه؛ لأنه أوقر في صدره؛ إن لم يتصد لذكر الله؛ ولم يكن بصدده؛ وهو ممن يدين باستعمال الكذب؛ والثاني أن يدل به على الندرة؛ وقلة وقوع المذكور؛ كقول المصنفين: لا يكون كذا؛ اللهم إلا إذا كان كذا؛ كأنه استغفر الله من جزمه؛ أو لا يسد الباب في أنه لا يكون غير ما ذكره؛ فقال: اللهم اغفر لي؛ فإنه يمكن أن يكون كذا؛ انتهى؛ ثم أبدل - عند قال النبي - صلى الله عليه وسلم - -؛ ووصف - عند غيره - فقال: سيبويه فاطر ؛ أي: "مبدع"؛ من العدم؛ السماوات ؛ أي: كلهم؛ والأرض ؛ أي: جنسها؛ ولما كانت القدرة [ ص: 525 ] لا تتم إلا بتمام العلم؛ قال: عالم الغيب والشهادة ؛ أي: ما لا يصح علمه للخلق؛ وما يصح.
ولما كان غيره - سبحانه - لا يمكن له ذلك؛ حسن التخصيص في قوله: أنت ؛ أي: وحدك؛ تحكم بين عبادك ؛ أي: أنا؛ وهم؛ وغيرنا؛ في الدنيا؛ والآخرة؛ لا محيص عن ذلك؛ ولا يصح في الحكمة سواه؛ كما أن كل أحد يحكم بين عبيده؛ ومن تحت أمره؛ لا يسوغ في رأيه غير ذلك؛ في ما كانوا ؛ أي: دائما؛ بما اقتضته جبلاتهم التي جبلتهم عليها؛ فيه يختلفون ؛ وأما غيرك فإنه لا يعلم جميع ما يفعلون؛ فلا يقدر على الحكم بينهم؛ وأما غير ما هم عريقون في الاختلاف فيه؛ فلا يحكم بينهم فيه؛ لأنه إما ما هيئوا بفطرهم السليمة؛ وعقولهم القويمة؛ للاتفاق عليه؛ فهو الحق؛ وإما ما يعرض لهم الاختلاف فيه؛ لا على سبيل القصد؛ أو بقصد غير ثابت؛ فهو مما تذهبه الحسنات؛ فعرف أن تقديم الظرف إنما هو للاختصاص؛ لا الفاصلة.