ولما ثبت أن الضار النافع إنما هو الله؛ من شاء أعطاه؛ ومن شاء منعه؛ ومن شاء استلبه ووضعه؛ بعدما رفعه؛ وكان التقدير: "ألم [ ص: 532 ] يعلموا أن ما جمعه من قبلهم لم يدفع عنهم أمر الله"؛ عطف عليه قوله: أولم ؛ ولما كان السياق لنفي العلم عن الأكثر؛ وكان مقصود السورة بيان أنه صادق الوعد؛ ومطلق العلم كاف فيه؛ عبر بالعلم؛ بخلاف ما مضى في "الروم"؛ فقال: يعلموا ؛ أي: بما رأوا في أعمارهم من التجارب؛ ولفت الكلام إلى الاسم الأعظم؛ تعظيما للمقام؛ ودفعا للبس؛ والتعنت؛ بغاية الإفهام؛ أن الله ؛ أي: الذي له الجلال؛ والجمال؛ يبسط ؛ أي: هو وحده؛ الرزق ؛ غاية البسط؛ لمن يشاء ؛ وإن كان لا حيلة له؛ ولا قوة؛ ويقدر ؛ أي: يضيق؛ مع النكد؛ بأمر قاهر؛ على من هو أوسع الناس باعا في الحيل؛ وأمكنهم في الدول؛ ومن المعلوم أنه لولا أن ذلك كله منه وحده؛ لما كان أحد ممن له قوة في الجسم؛ وتمكن في العلم فقيرا أصلا.
ولما كان هذا أمرا لا ينكره أحد؛ عده مسلما؛ وقال: إن في ذلك ؛ أي: الأمر العظيم؛ وأكده لأن أفعالهم أفعال من ينكر أن يكون فيه عبرة؛ لآيات لقوم ؛ ذوي قوة؛ وهمم علية؛ يؤمنون ؛ أي: هيئوا لأن يوجد منهم الإيمان؛ فيجددوا التصديق في كل وقت؛ تجديدا مستمرا؛ بأن الأمور كلها من الله؛ فيخافوه؛ ويرجوه؛ ويشكروه؛ ولا يكفروه؛ وأما غيرهم فقد حقت عليه الكلمة؛ بما هيئ له من عمل النار؛ فلا يمكنه الإيمان؛ فليس له في ذلك آيات؛ لأنها لا تنفعه.