[ ص: 120 ] باب ضمان الأجير قال : ( الأجراء على ضربين : أجير مشترك ، وأجير خاص . [ ص: 121 ] فالمشترك من لا يستحق الأجرة حتى يعمل كالصباغ والقصار ) ; لأن المعقود عليه إذا كان هو العمل أو أثره كان له أن يعمل للعامة ; لأن منافعه لم تصر مستحقة لواحد ، [ ص: 122 ] فمن هذا الوجه يسمى مشتركا .
قال ( لم يضمن شيئا عند والمتاع أمانة في يده إن هلك رحمه الله ، وهو قول أبي حنيفة ، ويضمنه عندهما إلا من شيء غالب كالحريق الغالب والعدو المكابر ) لهما ما روي عن زفر عمر رضي الله عنهما أنهما كانا يضمنان الأجير المشترك ; ولأن الحفظ مستحق عليه إذ لا يمكنه العمل إلا به ، فإذا هلك بسبب يمكن الاحتراز عنه كالغصب والسرقة كان التقصير من جهته فيضمنه كالوديعة إذا كانت بأجر ، بخلاف ما لا يمكن الاحتراز عنه كالموت حتف أنفه والحريق الغالب وغيره ; لأنه لا تقصير من جهته . وعلي رحمه الله أن العين أمانة في يده ; لأن القبض حصل بإذنه ، ولهذا لو هلك بسبب لا يمكن التحرز عنه لم يضمنه ، ولو كان مضمونا لضمنه كما في المغصوب ، والحفظ مستحق عليه تبعا لا مقصودا ولهذا لا يقابله الأجر ، بخلاف المودع بأجر ; لأن الحفظ مستحق عليه مقصودا حتى يقابله الأجر . ولأبي حنيفة
قال : ( وما تلف بعمله ، فتخريق الثوب من دقه وزلق الحمال وانقطاع الحبل الذي يشد به المكاري الحمل [ ص: 123 ] وغرق السفينة من مده مضمون عليه ) . وقال زفر رحمهما الله : لا ضمان عليه ; لأنه أمره بالفعل مطلقا فينتظمه بنوعيه المعيب والسليم وصار كأجير الوحد ومعين القصار . [ ص: 124 - 125 ] ولنا أن الداخل تحت الإذن ما هو الداخل تحت العقد وهو العمل المصلح ; لأنه هو الوسيلة إلى الأثر وهو المعقود عليه حقيقة ، حتى لو حصل بفعل الغير يجب الأجر فلم يكن المفسد مأذونا فيه [ ص: 126 ] بخلاف المعين ; لأنه متبرع فلا يمكن تقييده بالمصلح ; لأنه يمتنع عن التبرع ، وفيما نحن فيه يعمل بالأجر فأمكن تقييده . والشافعي
وبخلاف أجير الوحد على ما نذكره إن شاء الله تعالى وانقطاع الحبل من قلة اهتمامه فكان من صنيعه قال : ( إلا أنه لا يضمن به بني آدم ) ; لأن الواجب ضمان الآدمي . وأنه لا يجب بالعقد . وإنما يجب بالجناية ولهذا يجب على العاقلة ، وضمان العقود [ ص: 127 ] لا تتحمله العاقلة . قال : ( وإذا ممن غرق في السفينة أو سقط من الدابة وإن كان بسوقه وقوده ، فإن شاء ضمنه قيمته في المكان الذي حمله ولا أجر له ، وإن شاء ضمنه قيمته في الموضع الذي انكسر وأعطاه الأجر بحسابه ) أما الضمان فلما قلنا ، والسقوط بالعثار أو بانقطاع الحبل وكل ذلك من صنيعه ، وأما الخيار فلأنه إذا انكسر في الطريق ، والحمل شيء واحد تبين أنه وقع تعديا من الابتداء من هذا الوجه . استأجر من يحمل له دنا من الفرات فوقع في بعض الطريق فانكسر
وله وجه آخر وهو أن ابتداء الحمل حصل بإذنه فلم يكن تعديا ، وإنما صار تعديا عند الكسر فيميل إلى أي الوجهين شاء ، وفي الوجه الثاني له الأجر بقدر ما استوفى ، وفي الوجه الأول لا أجر له ; لأنه ما استوفى أصلا .