الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                      قال : فقلت له : فما فرق ما بين الغاصب والسارق وبين المستعير والمتكاري ؟

                                                                                                                                                                                      قلت في المتكاري والمستعير : إنه إذا رد الدابة وقد تعدى عليها فأصابها العيب ، إن رب الدابة مخير في أن يأخذ الدابة بعينها ويأخذ كراءها ، وبين أن يضمن المتكاري والمستعير قيمتها يوم تعدى عليها . وإن ردها صحيحة وكان تعديه ذلك ببريد وما أشبهه ، ولكن أكثر من ذلك ، فله أن يضمنه أيضا إن شاء قيمتها يوم تعدى عليها ، وإن شاء أخذ دابته وأخذ كراءها . وقلت في السارق والغاصب : إنه لا يضمن الكراء ، إنما لرب الدابة أن يأخذ دابته إذا وجدها بعينها ، وليس له غير ذلك إذا كانت بحالها يوم غصبت أو سرقت . وإن كانت أسواقها قد حالت ، فليس له إلا دابته معينة أو قيمتها يوم غصبها أو سرقها ، ولا كراء له ، وليس له على السارق والغاصب في واحد من الوجهين كراء .

                                                                                                                                                                                      قال ابن القاسم : لأن مالكا قال في المتكاري : إذا حبسها عن أجلها الذي تكاراها له ، كان عليه كراء ما حبسها فيه ، وإن لم يركبها وهي على حالها قائمة على مداودها ، وإن كان حبسها عن أسواقها فلربها أن يضمنه قيمتها يوم حبسها .

                                                                                                                                                                                      قال : وقال لي مالك في السارق إذا سرقها فحبسها عن أسواقها ومنافعها ، فوجدها صاحبها على حالها ، لم يكن له على سارقها قيمة ولا كراء ، ولم يكن له إلا دابته بعينها . فهذا فرق ما بينهما عند مالك . والمغتصب بمنزلة السارق ، والمستعير بمنزلة المتكاري . ولولا ما قال مالك ، لجعلت على السارق مثل ما أجعل على المتكاري من كراء ركوبه إياها ، وأضمنه قيمتها إذا حبسها عن أسواقها ، ولكني أخبرتك بقول مالك فيها ، وهو الذي آخذ به فيها . ولقد قال جل الناس : إنما السارق والمستعير والغاصب والمتكاري بمنزلة واحدة ، لا كراء عليهم وليس عليهم إلا القيمة ، أو يأخذ دابته . فكيف يجعل على المغتصب والسارق كراء ؟

                                                                                                                                                                                      قلت له : أرأيت الأرض والدور ، أليس قد قال مالك في الأرض : إذا غصبها رجل فزرعها إن عليه كراءها ويردها ؟

                                                                                                                                                                                      قال : نعم ، قلت : والدور عند مالك بهذه المنزلة إن سكنها الذي غصبها ، فعليه كراء ما سكن ؟

                                                                                                                                                                                      قال : نعم .

                                                                                                                                                                                      قلت : فالدابة إذا سرقها فركبها ، لم قلت لا كراء عليه فيها في قول مالك ؟ فما فرق ما بين الدابة والدور والأرضين ؟

                                                                                                                                                                                      قال : كذلك سمعنا من مالك ; لأن الدابة ، لو أن رجلا سرقها فحبسها حينا فأنفق عليها وكبرت الدابة - والجارية والغلام بهذه المنزلة - فاستحقهم صاحبهم ، أنه يأخذهم بزيادتهم ولا نفقة لمن أنفق عليهم في طعامهم ولا كسوتهم ولا علوفة الدواب وإن الدور لو أحدث فيها عملا ، والأرض ، ثم جاء صاحبها فاستحقها ، أخذ الغاصب ما كان له فيها ، ولهذه الأشياء وجوه تنصرف

                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية