الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
6458 2944 - (6494) - (2 \ 160) عن nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو بن العاص، يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال: nindex.php?page=hadith&LINKID=687051 " nindex.php?page=treesubj&link=18000_30531_19961_19974_19960_18043_32471_18054_28723الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا أهل الأرض يرحمكم أهل السماء، والرحم شجنة من الرحمن، من وصلها، وصلته، ومن قطعها، بتته ".
* قوله: "الراحمون" : هم nindex.php?page=treesubj&link=19964الذين في قلوبهم شفقة على خلق الله، وقد يكون الشخص رحيما من وجه، شديدا من وجه، فالحكم للغالب، وليس من شرط الراحم ألا يكون فيه شدة، كيف وقد قال تعالى في الصحابة: nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=29أشداء على الكفار رحماء بينهم [الفتح: 29] فرحمة الخلق مقيدة باتباع الكتاب والسنة، وليس من الرحمة ألا يقيم الحدود، ولا يجاهد، كذا قيل.
وقيل: إنما ذكر الراحمين، وهو جمع راحم في هذا الحديث، ولم يقل: الرحماء جمع رحيم، وإن كان غالب ما ورد من الرحمة استعمال الرحيم لا الراحم؛ لأن الرحيم صفة مبالغة، فلو ذكر لاقتضى الاقتصار على المبالغ في الرحمة، فأتى بجمع راحم؛ إشارة إلى أن من قلت رحمته داخل في هذا الحكم [ ص: 297 ] أيضا.
وأما حديث: nindex.php?page=hadith&LINKID=12566 "إنما يرحم الله من عباده الرحماء" فاختار فيه جمع الرحيم؛ لمكان ذكر الجلالة، وهو دال على العظمة والكبرياء، ولفظ الرحمن دال على العفو، فحيث ذكر لفظ الجلالة يكون الكلام سوقا للتعظيم كما يدل عليه الاستقراء، فلا يناسب هناك إلا ذكر من كثرت رحمته، وعظمت؛ ليكون الكلام جاريا على نسق العظمة، ولما كان الرحمن دالا على المبالغة في العفو ذكر كل ذي رحمة، وإن قلت، انتهى.
قلت: وهذا لا يفيد موافقة القصر في حديث: "إنما يرحم الله. . . إلخ " للواقع، ولا يدفع التناقض الذي بين الحديثين على ما قرر؛ لدلالة أحدهما أن الله يرحم الراحم وإن قلت رحمته، ودلالة الثاني على أنه لا يرحم إلا المبالغ في الرحمة، فالوجه أن يقال حيث ذكر الجلالة، فالمراد: إنما يرحم الله أي: بالرحمة العظيمة اللائقة بجنابه الأقدس، ومثل هذه الرحمة ليست إلا للرحماء المبالغين في الرحمة، وحيث ذكر الرحمن، فالمراد رحمة ما، وهي تشمل كل من في قلبه رحمة، وإن قلت، والله تعالى أعلم.
* "يرحمكم": - بالجزم عل جواب الأمر، ويمكن الرفع على الاستئناف بمنزلة التعليل على معنى: يرحمكم إن رحمتم.
* "أهل السماء": أي: سكان السماء من الملائكة الكرام، ورحمتهم بالاستغفار لهم، والدعاء، وتفسيره بالله بعيد، نعم رواية: "من في السماء" يحتمل ذلك؛ بأن يراد: من كبرياؤه وعظمته في السماء.
* "شجنه": الشجنة - مثلثة الشين المعجمة، وسكون الجيم، بعده ونون - : [ ص: 298 ] هي شعبة من غصن الشجرة، قيل: المراد هاهنا: أنه مشتق من اسم الرحمن، وهو الموافق للأحاديث، والمعنى: أنه مأخوذ من اسم الرحمن لفظا، ومناسب بذلك الاسم معنى؛ من حيث إن اسم الرحمن كما يقتضي ثبوت الرحمة لمسماه، كذلك قرابة الرحم تقتضي الرحمة فيما بين أصحابها طبعا، ثم هذا الكلام ذكره النبي صلى الله عليه وسلم حكاية عن الله تعالى بدليل "وصلته".
* "بتته": أي: قطعته؛ من البت، وهو القطع، والله تعالى أعلم.