[ ص: 232 ] وقوله تعالى: (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة) : قال ، ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ وغيرهما: المراد بذلك: المتعة التي كانت مباحة، ثم نسخت، قال وعائشة : نسختها: ابن عباس يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن [الطلاق:1].
وقال : نسخ المتعة آية الميراث، لأن المتعة لا ميراث فيها، وإنما هي أن يقول لها: أتزوجك يوما على أنه لا عدة عليك، ولا ميراث بيننا، ولا طلاق، ولا شهود، ولا ولي. ابن المسيب
وقيل: إنما نسخت المتعة بالخبر الثابت عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بتحريمها.
وعن أيضا: إن قوله: ابن عباس (فما استمتعتم به منهن) يعني: النكاح، وأن لها الصداق كاملا إذا دخل بها، وبنحوه قال قال: ويدل عليه قوله: مالك، (ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة) .
وقوله: (فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن) : هذا هو في المهر [ ص: 233 ] بغير اختلاف، ومن جعل الآية في المتعة; فمعنى (ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة) عنده: لا جناح عليكم إذا تم الأجل أن تزيده في الأجل، ويزيدها في المتعة قبل أن يستبرئن أرحامهن.
والذي يروى عن في إجازة المتعة غير صحيح وقوله: ابن عباس (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات) يعني: كما قال الله تعالى، هذا مذهب نكاح الإماء، وهو جائز للحر إذا خشي العنت، ، وغيره من العلماء. مالك
وقال النخعي، وقتادة، : إذا خاف أن يبغي بها. والثوري
وقال الشافعي، وغيرهما: لا ينكح أمة وهو يجد طولا إلى حرة. وابن حنبل،
وقال الشعبي، و مسروق : لا يحل نكاحها إلا لمضطر.
وأجاز لمن تحته حرة أن ينكح أمة، قال: وتخير الحرة، بعد أن كان يقول: لا يجوز، ويفسخ. مالك
ولم ير ، ابن المسيب والحسن، وغيرهم نكاح الأمة على الحرة قال والشافعي، إلا أن تأذن له الحرة، قال: فإن اجتمعتا عنده; فللحرة ثلثا القسمة، [ ص: 234 ] وللأمة الثلث. عطاء:
وله ـ في قول ، مالك والزهري، وغيرهم ـ نكاح أربع من الإماء إذا خشي على نفسه العنت، ولم يكفه أقل من أربع. وأبي حنيفة،
وقال قتادة، وغيرهما: لا ينكح أكثر من واحدة من الإماء. والشافعي،
وقال لا يتزوج منهن أكثر من اثنتين. حماد بن أبي سليمان:
وفي قوله: (من فتياتكم المؤمنات) : دليل على تحريم وهو قول أكثر العلماء، وأجازه تزوج الإماء المشركات، وأصحابه في إماء أهل الكتاب، وجعلوا قوله: أبو حنيفة (من فتياتكم المؤمنات) على وجه الندب.
وقوله: (فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) معنى (أحصن) في قول أكثر العلماء ههنا: أسلمن; لأن العبودية إنما أوجبها الكفر.
وعن ، ابن عباس أن المعنى: تزوجن. والزهري:
: تحد الأمة المتزوجة بالكتاب، وغير المتزوجة بالسنة. الزهري
، ابن عباس لا تحد إذا لم تتزوج. وطاووس:
وقوله: (نصف ما على المحصنات) يعني: الحرائر الأبكار، سمين [ ص: 235 ] (محصنات) ; لأن الإحصان يكون بهن، ولا يصح أن يراد بـ (المحصنات) هنا: المتزوجات; لأن الرجم الذي عليهن لا يتبعض.
(يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) : قد تقدم القول فيه في (البقرة) .
قال عكرمة، في هذه الآية: نهى بعضهم عن أكل طعام بعض، ثم نسخ بقوله: والحسن (ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم) الآية [النور: 61].
والتراضي في قول وغيره من العلماء: بيع الخيار ما لم يفترقا ، والتراضي عند الشافعي، ، مالك وأصحابه: هو التراضي بعقد البيع. وأبي حنيفة،
في هذه الآية دليل على فساد قول من ينكر طلب الأقوات بالتجارات والصناعات من المتصوفة الجهلة; لأن الله ـ تعالى ـ حرم أكل الأموال بالباطل، وأحلها بالتجارة والصناعة. الطبري:
[ ص: 236 ] (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم) : أعلم الله ـ تعالى ـ أنه يكفر الصغائر باجتناب الكبائر.
وروى ، ابن مسعود والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون [الفرقان: 68]. عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال في الكبائر: "هي أن تدعو لله ندا وقد خلقك، وأن تقتل ولدك من أجل أن يأكل معك، وأن تزني بحليلة جارك، وتلا قول الله تعالى:
وعنه صلى الله عليه وسلم : . "الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وأكل مال اليتيم، والفرار من الزحف، وقذف المحصنة، وقول الزور، والغلول، والسحر، وأكل الربا، واليمين الغموس)
وعن في ابن عباس وفي خبر آخر عنه: الكبائر: هي إلى السبعين أقرب،
هي إلى سبع مئة أقرب.
هي تسع: قتل النفس، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، ورمي المحصنة، وشهادة الزور، وعقوق الوالدين، والفرار من الزحف، والسحر، والإلحاد في البيت. ابن عمر:
[ ص: 237 ] القمار، والسرق، وشرب الخمر، وسب السلف الصالح، وعدول الحكام عن الحق، واتباع الهوى، واليمين الفاجرة، والقنوط من رحمة الله، واستسباب الإنسان لأبويه; بأن يسب رجلا، فيسب ذلك الرجل أبويه، والسعي في الأرض فسادا في الأموال، أو في الدين، والإصرار على الصغائر من الكبائر، وقد بسطت هذا الباب في "الكبير". ومن الكبائر عند العلماء:
وقد تغفر لمن مات عليها من المسلمين; كما قال الله تعالى: والكبائر عند أهل السنة تغفر لمن أقلع عنها قبل الموت، إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء [النساء: 48]، والمراد بذلك: من مات على الذنوب، ولو كان المراد: من تاب قبل الموت; لم يكن للتفرقة بين الإشراك وغيره معنى; إذ التائب من الشرك قبل الموت أيضا مغفور له.
وقوله: (ومن يقتل مؤمنا متعمدا) [النساء: 93] ونظائره مذكور في مواضعه.
(ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض) : قال بعض العلماء: هذا الذي يتمنى الإنسان أن يكون معه ما لأخيه، وأن يزول عن صاحبه [ ص: 238 ] ويصير له، فأما نهي عن الحسد أن يتمنى مثله من غير أن يريد زواله عن صاحبه; فليس بحسد.
قال سبب نزول هذه الآية: قول النساء حين جعل الميراث للذكر مثل حظ الأنثيين: (هلا جعلت أنصباؤنا كأنصباء الرجال) ، وقول الرجال: (إنا لنرجو أن نفضل بحسناتنا على النساء في الآخرة، كما فضلنا في الدنيا في الميراث) . قتادة:
فمعنى (وللنساء نصيب مما اكتسبن) على هذا: أن المرأة تجزى بالحسنة عشر أمثالها; كالرجل.
وقيل: للنبي صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله; فضل الله الرجال على النساء في الغزو وفي الميراث) أم سلمة ، فنزلت الآية. قالت
وقيل: قال النساء: (للرجال نصيبان من الذنوب، كما لهم نصيبان من الميراث) ، فنزلت الآية.
وقيل: للرجال نصيب من الأجر، خصوا بذلك; كالغزو، وشبهه، [ ص: 239 ] وللنساء نصيب خصصن به; كحفظها غيب زوجها، وشبهه.