الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                                      التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

                                                                                                                                                                                                                                      المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: (ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون) الآية.

                                                                                                                                                                                                                                      هذا لفظ عموم معناه الخصوص; إذ ليس لكل إنسان عصبة معلومة ترثه.

                                                                                                                                                                                                                                      قال مالك: كل من هلك من العرب فلا يخلو من أن يكون له وارث بهذه الآية وإن لم يعرف عينه.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن عباس : كانت الأنصار ترث المهاجرين بالأخوة التي آخى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بينهم، حتى نزلت هذه الآية: (والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم) يعني: من النصرة، والنصيحة، والرفد، والوصية لهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وعن ابن عباس أيضا قال: كان الرجل يعاقد الرجل; أيهما مات قبل صاحبه; ورثه، إلى أن نزلت: ( وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ) إلى قوله: (إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا) [الأحزاب: 6]، أي: إلا أن توصوا لهم، ونسخ فرضهم.

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد : (الموالي) ههنا: بنو العم.

                                                                                                                                                                                                                                      قتادة: هم الأقرباء منهم الأب والأخ.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 240 ] ومن قال: إن الآية منسوخة بالمواريث: عكرمة، والحسن، وغيرهما.

                                                                                                                                                                                                                                      وعن ابن المسيب أنه قال: هي ناسخة، نزلت في الذين كانوا يتبنون أبناء غيرهم في الجاهلية، فأمروا في الإسلام أن يوصوا لهم، وأزيل الميراث بالتبني.

                                                                                                                                                                                                                                      وهي عند مجاهد، والسدي ، وغيرهما محكمة، والمعنى: فآتوهم نصيبهم من النصرة، والنصح، ونحوه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض) دلت هذه الآية: على أن للرجل الحجر على زوجته في نفسها ومالها، وليس له منعها من الفرائض; كالصلاة، والصيام، والزكاة، والحج، ولها أن تفعل من غير الفرائض ما لا يضر به ولا يمنعه من واجباته بغير إذنه، ولها أن تفعل في ثلث مالها ما شاءت من وجوه الثواب، لا في أكثر من الثلث.

                                                                                                                                                                                                                                      وروي: أن سبب نزول الآية: قول أم سلمة المتقدم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: سبب نزولها: رجل من الأنصار لطم زوجته، فقضى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم [ ص: 241 ] ـ بينهما بالقصاص، فنزلت: ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه .

                                                                                                                                                                                                                                      فالصالحات قانتات أي: مطيعات.

                                                                                                                                                                                                                                      حافظات للغيب أي: لغيب أزواجهن.

                                                                                                                                                                                                                                      بما حفظ الله أي: بحفظ الله إياه في مهورهن.

                                                                                                                                                                                                                                      واللاتي تخافون نشوزهن ، يعني: عداوتهن ، وأصله: الارتفاع عما يجب عليها من حق زوجها، ومعنى (تخافون) : تتوقعون; أي: يظهر لكم من معصيتهن لأزواجهن ما يخاف أن يكون نشوزا.

                                                                                                                                                                                                                                      أبو عبيدة، والفراء : معنى تخافون: توقنون.

                                                                                                                                                                                                                                      فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن : الثوري: المعنى: عظوهن بالله ، واهجروهن من غير ترك الجماع، واضربوهن ضربا غير مبرح.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 242 ] وقيل: المعنى: اضربوهن من أجل المضاجع.

                                                                                                                                                                                                                                      وعن ابن جبير، وغيره: إن معنى واهجروهن في المضاجع : من أجل المضاجع، كأنه قال : اهجروهن بترك الكلام حتى يرجعن إلى مضاجعكم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : معناه: قولوا لهن هجرا من القول في ترك مضاجعكم، وكان يجب على هذا التأويل أن يكون: واهجوهن.

                                                                                                                                                                                                                                      فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا أي: لا تلتمسوا عليهن طريقا من الظلم.

                                                                                                                                                                                                                                      وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها الآية. الحكمان - في قول مالك - يكونان إذا قبح ما بين الزوجين، ولم يقدر على تعرف أمرهما ببينة، فيبعث الحاكم رجلين موثوقا بهما، أحدهما من أهل الرجل، والآخر من أهل المرأة، فإن استطاعا الصلح; أصلحا، وإلا فرقا بينهما، وإن رأيا أن يأخذا له من مالها شيئا; أخذا ، إن كان اللدد والامتناع من الصلح من قبلها.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 243 ] وقال عطاء، والشافعي، وغيرهما: ليس لهما أن يفرقا إلا أن يوكلهما الزوج على ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال أبو عبيدة : معنى خفتم: أيقنتم، وغلطه الزجاج في ذلك، وقال: لو أيقنا لم يحتج إلى الحكمين.

                                                                                                                                                                                                                                      والضمير في قوله : إن يريدا إصلاحا للحكمين، في قول ابن عباس ، وابن جبير، وغيرهما.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: هو للزوجين; لأن الحكمين مريدان للإصلاح، ولولا ذلك لم يبعثا حكمين.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية