التفسير:
أفلا يتدبرون القرآن أي : يتفكرون فيه، وفي هذا دليل على وجوب وفساد قول من قال: لا يجوز أن يؤخذ منه إلا ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومنع أن يتأول منه على ما يسوغه لسان العرب. تعلم معاني القرآن،
وفيه دليل على وفيه دليل على الأمر بالنظر، والاستدلال، وإبطال التقليد، إثبات القياس.
ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا أي: لو كان ما يخبرون به من عند غير الله; لاختلف.
[ ص: 322 ] قتادة، : لو كان القرآن من عند غير الله; لتناقض. وابن زيد
ولا يدخل في هذا اختلاف ألفاظ القراءات ، وألفاظ الأمثال، والدلالات، ومقادير السور، والآيات، وإنما أراد اختلاف التناقض والتفاوت.
وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ، قيل: إن الضمير في (جاءهم) ، لضعفة المسلمين، قاله ; لأنهم كانوا يفشون أمر النبي صلى الله عليه وسلم، ويظنون أنهم لا شيء عليهم في ذلك. الحسن
الضحاك ، و : هو للمنافقين . ابن زيد
والضمير في (منهم) للمستنبطين، وقيل: للمذيعين، ومعنى لعلمه الذين يستنبطونه أي: يستخرجونه; أي: لعلموا ما ينبغي أن يفشى منه، وما ينبغي أن يكتم.
و (أولو الأمر) : أهل العلم والفقه، عن الحسن، وغيرهما. وقتادة، السدي، : الولاة، وقيل: أمراء السرايا. وابن زيد
و (الاستنباط) في اللغة: الاستخراج.
و (الهاء) في (أذاعوا به) و(يستنبطونه) : للأمر، [وقيل: للأمن]، وقيل:
للخوف، وقيل : لهما جميعا.
[ ص: 323 ] وقوله: إلا قليلا : قال ، وغيره: المعنى: أذاعوا به إلا قليلا منهم، وهو مذهب ابن عباس ، الكسائي والأخفش، وأبي عبيد، وأبي حاتم، والطبري.
وقيل: المعنى: لعلمه الذين يستنبطونه منهم إلا قليلا منهم، عن وغيره، واختاره الحسن، الزجاج.
وقيل: المعنى: لاتبعتم الشيطان، إلا قليلا، عن قال: و (القليل) : أصحاب الضحاك، محمد صلى الله عليه وسلم، وأنكره أكثر العلماء; إذ لولا فضل الله ورحمته; لاتبع الناس كلهم الشيطان.
وأنكر بعضهم الاستثناء من قوله: لعلمه الذين يستنبطونه منهم ; لأن المستنبط قد علمه، والذي لم يعلمه ليس بمستنبط له .
[ ص: 324 ] وقيل المعنى: لاتبعتم الشيطان إلا قليلا من الاتباع.
فقاتل في سبيل الله (الفاء) متعلقة بقوله: [ وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله ... (فقاتل) ، كأن المعنى: (لا حظ لك في ترك القتال; فتتركه) ، فوضع (فقاتل) في موضع (فتتركه) ، وقيل : هي متعلقة بقوله] : ومن يقاتل في سبيل الله الآية.
وأشد تنكيلا أي: عقوبة، عن وغيره. الحسن،
من يشفع شفاعة حسنة أي: في الدنيا.
يكن له نصيب منها : ، وغيره: هي شفاعة الناس بعضهم لبعض. مجاهد
وقيل : (الشفاعة الحسنة) : الدعاء للمؤمنين، و (السيئة) : الدعاء عليهم، وكانت اليهود تدعو عليهم.
: (الحسنة) : ما يجوز في الدين، و (السيئة) : ما لا يجوز فيه. وقيل: هو في قول الحسن اليهود للمسلمين في السلام : السام عليكم.
وقيل : المعنى: من يكن شفيعا لصاحبه في الجهاد; يكن له نصيبه من
الأجر، ومن يكن شفيعا لآخر في باطل; يكن له نصيبه من الوزر.
[ ص: 325 ] ، الحسن : (الكفل) : الوزر، والإثم. وقتادة
السدي، : هو النصيب، وأصله: من المركب الذي يهيأ; كالسرج للبعير، من كساء أو نحوه; لأن النصيب يهيأ لصاحبه كما يهيأ ذلك المركب. وابن زيد
و (المقيت) : الحفيظ، عن ، وغيره، وعنه أيضا: القدير. ابن عباس السدي، : المقتدر. وابن زيد
: الشهيد، وعنه أيضا: الحسيب. مجاهد
: هو مشتق من القوت; وهو قدر ما يحفظ الإنسان، فـ (المقيت) : الذي يعطي الشيء قدر الحاجة. الزجاج
: أقات يقيت إقاتة. الكسائي
وقوله: إن الله كان على كل شيء حسيبا أي: حفيظا، وقيل : كافيا، من قولهم: (أحسبني الشيء) ; أي: كفاني، وقيل : هو من الحساب.
ومن أصدق من الله حديثا أي: لا أحد أصدق منه.
فما لكم في المنافقين فئتين : روي: أنها نزلت في قوم قدموا المدينة، فأقاموا بها ما شاء الله ، ثم استوخموها; فسألوا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يخرجوا إلى البادية; [ ص: 326 ] فاختلف الناس في نفاقهم وإيمانهم، قاله وغيره. السدي،
نزلت في قوم تخلفوا عن الخروج يوم زيد بن ثابت: أحد; فقال بعض الناس للنبي صلى الله عليه وسلم: اقتلهم، وقال بعضهم: اعف عنهم.
، مجاهد نزلت في قوم قدموا والحسن: المدينة، فأسلموا، ثم رجعوا إلى مكة، فأظهروا الشرك; فسموا منافقين على هذا القول نسبة إلى ما كانوا عليه من إضمار الكفر قبل [و] إظهار الإسلام.
: نزلت في ابن زيد ابن أبي وأصحابه الذين تكلموا في رضي الله عنها. عائشة