وأن تقوموا لليتامى بالقسط أي: وفي أن تقوموا لليتامى بالقسط) ، وأفتاهم في ذلك بقوله: ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم .
[ ص: 358 ] وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا : قد تقدم ذكر (النشوز) ، وذكر الإعراض بعد (النشوز) ، على أن (النشوز) : البغض، و (الإعراض) : الموجدة من غير بغض.
وقوله: ولله ما في السماوات وما في الأرض : تكريره لفوائد; وذلك أنه أمر قبل الموضع الأول بطاعته، ونبه على ملكه وسعته، ثم قال: من سعة ملكه أن له ما في السماوات وما في الأرض; فواجب أن يطاع، ويرغب فيما عنده، ونبه في الثاني على احتياج خلقه إليه ، وغناه عنهم; لأنه قال قبله: وإن تكفروا أي: وإن تكفروا فإنه غني عنكم; لأن له ما في السماوات وما في الأرض، وأعلم قبل الثالث بحفظ خلقه، وتدبيره إياهم بقوله: وكفى بالله وكيلا ; لأن له ما في السماوات وما في الأرض.
وقال: (ما في السماوات) ، ولم يقل (من في السماوات) ; لأنه ذهب به
مذهب الجنس، وفي السماوات والأرض من يعقل، وفيهن ما لا يعقل.
وقوله: إن يشأ يذهبكم أيها الناس مردود إلى قوله: وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات والأرض .
[ ص: 359 ] من كان يريد ثواب الدنيا الآية:
نزل ذلك في الذين يتقربون إلى الله ـ عز وجل ـ ليوسع عليهم في الرزق، ويدفع عنهم المكروه. منكري البعث
وقيل: نزل في المنافقين الذين يدفعون بما يظهرونه ضرر الدنيا، ويستجلبون منفعتها.
فعند الله ثواب الدنيا والآخرة أي: فينبغي أن يطلب منه الثوابان جميعا، وقيل: المعنى: فالله يعطيه ثواب الدنيا بالانتفاع، وثواب الآخرة بالعقاب.
وكان الله سميعا بصيرا أي: يسمع ما يقولونه، ويبصر ما يسرونه .
وقوله: كونوا قوامين بالقسط شهداء لله روي: أنها نزلت بسبب قصة طعمة; فأمر المسلمون أن يعدلوا ولو على أنفسهم وأقربائهم، وشهادة الإنسان على نفسه: إقراره بالحق يكون قبله.
إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما أي : إن يكن المشهود عليه غنيا; فلا يمنعكم غناه من أن تشهدوا عليه، وإن يكن فقيرا; فلا يمنعكم فقره من أن تشهدوا له.
فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا أي: كراهة أن تعدلوا.
[ ص: 360 ] وإن تلووا أو تعرضوا : قال : هذا في لي القاضي لأحد الخصمين، وإعراضه عن الآخر. ابن عباس
، مجاهد وغيرهما: هو في الشهود; فالمعنى: لا تبدلوا، ولا تتركوا. وقتادة،
وقيل : معنى (تلووا) : مطل الغريم، ومنه: . وقيل : معناه : تدفعوا بالشهادة، كما يدفع الغريم بالمطل. لي الواجد ظلم
ومن قرأ: (تلوا) بواو واحدة; جاز أن يكون أصلها: (تلووا) ; فقلبت الواو الأولى همزة; لانضمامها، وألقيت حركة الهمزة على اللام، وحذفت الهمزة، وجاز أن يكون المعنى: (وإن تلوا أمور الناس أو تتركوا) .
يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله : يجوز أن يكون الخطاب للمؤمنين، والمعنى: اثبتوا على الإيمان، ويجوز أن يكون لمن آمن بمن تقدم محمدا ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الأنبياء عليه وعليهم الصلاة والسلام.
[ ص: 361 ] وقوله: إن الذين آمنوا ثم كفروا الآية.
قال : هي في قتادة اليهود والنصارى، آمنت اليهود بالتوراة، ثم كفرت بالإنجيل، ثم آمنت بعزير، ثم كفرت بعيسى، ثم ازدادوا كفرا بكفرهم بمحمد ، وآمنت النصارى بالإنجيل، ثم كفرت به; لتركهم إياه، ثم كفرت بمحمد صلى الله عليه وسلم ، ثم ازدادوا كفرا بالقرآن.
، مجاهد : هي في المنافقين، آمنوا، ثم ارتدوا، ثم آمنوا، ثم وابن زيد
ارتدوا، ثم ازدادوا كفرا بموتهم على كفرهم.
: هي في طائفة من أهل الكتاب، قصدت لتشكيك أهل الإيمان، وهم الذين قال فيهم: الحسن وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنـزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره .
وقيل: المعنى: إن الذين آمنوا بموسى، ثم كفروا به، ثم آمنوا بعيسى، ثم كفروا به، ثم ازدادوا كفرا بكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وكفرهم بموسى وعيسى: بتبديلهم ما جاءا به.
أيبتغون عندهم العزة أي : أيبتغي المنافقون عند الكافرين المنعة.
[ ص: 362 ] وأصل (العزة) : الشدة; من قولهم: (أرض عزاز) ; أي: صلبة.
الذين يتربصون بكم : هذا في المنافقين.
ألم نكن معكم أي: أعطونا من الغنيمة.
ومعنى قولهم للكافرين: ألم نستحوذ عليكم أي: ألم نستول عليكم بموالاتنا إياكم.
ونمنعكم من المؤمنين : بتخذيلنا إياهم عنكم، وتعريفنا إياكم بما يريدونه منكم، وأصل (الاستحواذ) : الحوط، (حاذه يحوذه حوذا) ; إذا حاطه.
ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا : قال رضي الله عنه: ذلك في الآخرة، علي (السبيل) : الحجة. السدي:
وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى : (الكسل) : التثاقل عن الشيء.
ولا يذكرون الله إلا قليلا : قال : قل; لأنه لغير الله، وقيل: معناه : لا يذكرونه إلا ذكرا يسيرا، كالتكبير وشبهه مما يظهرونه، ولا يصلون. الحسن
مذبذبين بين ذلك : قال ليسوا مخلصين بالإيمان، ولا مصرحين بالكفر، وأصل (التذبذب) : الاضطراب، والتحرك. قتادة:
أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا يعني: حجة بينة.
إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار : (الأدراك) في اللغة: المنازل [ ص: 363 ] والطبقات، وأصله : من اللحوق; فـ (الدرك) : ما يلحق من الطبقة.
: المعنى : في أسفل النار. ابن عباس
: يجعلون في توابيت من حديد، ثم تغلق عليهم، وعنه أيضا: توابيت من نار. ابن مسعود
وقوله: ما يفعل الله بعذابكم الآية، لفظه لفظ الاستفهام، ومعناه التقرير.
والشكر من الخلق: الاعتراف للمنعم بالنعمة، والشكر من الله ـ تعالى ـ لخلقه: مجازاته إياهم.