أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم : قال ابن عباس : بهيمة الأنعام: ما استخرج من بطن الشاة والبقرة من ولد بعد ذبحها; فالمعنى: أحلت لكم بهيمة الأنعام بذكاة أمهاتها.
السدي، وقتادة، وغيرهما: بهيمة الأنعام : هي الأنعام; والمعنى: أحلت لكم الأنعام بالذكاة.
[ ص: 396 ] الضحاك : بهيمة الأنعام : الوحش; كالظباء، والخمر.
وقوله: إلا ما يتلى عليكم : قال ابن عباس ، ومجاهد ، وغيرهما: هو قوله: حرمت عليكم الميتة وما بعده.
وقيل: الاستثناء واقع على الدم المسفوح من الذكاة.
وقوله: غير محلي الصيد يعني: الإحرام بالحج والعمرة، سمي إحراما; لما يحرمه من دخل فيه على نفسه من النساء، والطيب، وغيرهما .
وفي هذه الآية خمسة أحكام:
الأول: أوفوا بالعقود ، والثاني: أحلت لكم بهيمة الأنعام ، والثالث: إلا ما يتلى عليكم ، والرابع: غير محلي الصيد وأنتم حرم ، والخامس: ما دلت عليه الآية من إباحة الصيد للحلال.
وقوله: لا تحلوا شعائر الله : قال ابن عباس : يعني : مناسك الحج، وعنه أيضا: نهوا أن يركبوا ما نهي عنه المحرم.
[ ص: 397 ] عطاء: حضهم الله على اتباع طاعته، واجتناب معصيته.
مجاهد : شعائر الله : الصفا والمروة، والحرم; فالمعنى: لا تحلوا الصيد في الحرم .
زيد بن أسلم: الشعائر ست: الصفا والمروة، والبدن، والجمار، والمشعر الحرام، وعرفة، والركن، قال: والحرمات خمس: الكعبة الحرام، والبلد الحرام، والشهر الحرام، والمسجد الحرام، والمحرم حتى يحل.
الكلبي: كان عامة العرب لا يعدون الصفا والمروة من الشعائر، وكانت الحمس لا تقف بعرفات في حجهم، فنهوا بهذه الآية عن ذلك.
قتادة: الآية منسوخة; نسخها: فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم .
وعن ابن عباس ، والسدي ، وغيرهما: أنه نسخ منها: (ولا الشهر الحرام) ، ولا آمين البيت الحرام .
وعن ابن عباس أيضا قال: نهى الله أن يمنع أحد من الحج من مؤمن وكافر، ثم أنزل بعد ذلك ما في (سورة براءة) من منع المشركين من [ ص: 398 ] المسجد الحرام، وعنه أيضا: معنى لا تحلوا شعائر الله أي : ما حرم عليكم في إحرامكم، وعنه أيضا وعن مجاهد: لا تضيعوا مناسك الحج.
وعن مجاهد: لم ينسخ منها إلا (القلائد) ; كان الرجل يتقلد بشيء من لحاء شجر الحرم فيأمن; فنسخ ذلك.
الربيع بن أنس: نهوا أن يأخذوا من لحاء شجر الحرم فيتقلدوها. السدي: معنى لا تحلوا شعائر الله : لا تحلوا حرم الله.
عطاء : لا تتعرضوا ما يسخط الله.
وقد تقدم أصل (الشعائر) واشتقاقها.
وعن ابن عباس : أن الشهر الحرام يراد به: الأشهر الحرم، عكرمة : هو ذو القعدة ، وقيل: رجب.
و (إحلاله) : ما كانوا يفعلونه من تحريم القتال فيه عاما، وتحليله عاما.
و (الهدي) : ما أهدي إلى البيت، وقد تقدم ذكره.
[ ص: 399 ] و (القلائد) : قيل: ما كان الرجل يتقلده من لحاء شجر الحرم; ليأمن به ، وقيل : قلائد الهدي.
ولا آمين البيت الحرام يعني: قاصديه.
يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا قال ابن عمر: الربح في التجارة، وقال مجاهد : الأجر والتجارة.
وإذا حللتم فاصطادوا : أمر إباحة.
ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا : قال ابن عباس ، وقتادة : المعنى: لا يحملنكم شنآن قوم على العدوان، الفراء : ولا يجرمنكم : لا يكسبنكم، الأخفش : ولا يجرمنكم أي: لا يحقن لكم; لأن قوله تعالى: لا جرم أن لهم النار ، إنما هو: حق أن لهم النار.
و (الشنآن) : البغض; وهو بفتح النون مصدر; كالنزوان، والغليان، وبإسكانها يجوز أن يكون مصدرا، ويجوز أن يكون صفة على الاتساع وإقامة الصفة مقام الموصوف.
[ ص: 400 ] وذكر المفسرون: أن هذه الآية نزلت في رجل من ربيعة، يقال له: الحطم ابن هند، أتى حاجا وقد قلد، فأراد أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يخرجوا إليه ، فنهوا عن ذلك.
وقال بعضهم: كان اسمه ضبيعة بن شرحبيل البكري.
وهذا التأويل على قول من قال: إن الآية منسوخة.
وقيل : إن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما فتح مكة; قتل رجل من أصحابه رجلا من أهل مكة، قد كان يقتل حلفاء النبي صلى الله عليه وسلم; فنزلت الآية.
[ ص: 401 ] وقيل : نزلت حين صد المسلمون عن البيت عام الحديبية، ومر بهم ناس من المشركين من أهل نجد يريدون العمرة; فقالوا: نصد هؤلاء كما صددنا; فهي على هذا مخصوصة في شأن الحديبية.
ابن زيد : هذا منسوخ بالجهاد، ذهب إلى أنه لما جاز قتال المشركين; جاز الاعتداء عليهم.
حرمت عليكم الميتة والدم الآية، سبب ذكر هذه الأشياء: أن الجاهلية كانت تحلها، وقد تقدم ذكر الميتة، والدم، ولحم الخنزير.
(والمنخنقة) : التي تختنق بحبل حتى تموت.
(والموقوذة) : المضروبة حتى تموت، وقذه يقذه وقذا; إذا ضربه حتى
يشفي على الهلاك.
(والمتردية) : الساقطة في بئر ونحوها.
(والنطيحة) : المنطوحة حتى تموت، [وقيل : الناطحة حتى تموت] .


