الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                                      التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

                                                                                                                                                                                                                                      المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 402 ] وما أكل السبع إلا ما ذكيتم يعني: ما مات من أكل السبع من قبل أن تدرك ذكاته.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : إلا ما ذكيتم : الاستثناء -عند مالك وغيره من أهل المدينة - من التحريم، لا من المحرمات المذكورة، والمعنى: إلا ما أحله الله) لكم بالتذكية مما ترجى له الحياة لو ترك.

                                                                                                                                                                                                                                      وكره مالك التي انقطع نخاعها، والتي شق السبع بطنها وإن كانت حية.

                                                                                                                                                                                                                                      وروي عن علي ، وابن عباس، وغيرهما: أن الاستثناء من (المنخنقة) وما عطف عليها، وكذلك مذهب الحسن، والثوري، والشافعي، وابن حنبل، وغيرهم: أن ما أدرك من هذه الأشياء وفيه روح تتحرك معه رجله، أو تطرف عينه، أو يعلم أن فيه شيئا من الحياة; فهو ذكي يؤكل.

                                                                                                                                                                                                                                      و (التذكية) في اللغة: أصلها التمام; فمعنى (ذكيت الذبيحة) : أتممت ذبحها، و (ذكيت النار) : أتتمت إيقادها، و (رجل ذكي) : تام الفهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: (وما ذبح على النصب) : قال مجاهد : هي حجارة كانت حول مكة يذبحون عليها، وربما استبدلوا منها.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 403 ] ابن جريج، وقتادة: هي حجارة كانت تنصب، وتعبد، ويقرب لها، وهي غير الأصنام; لأن الأصنام مصورة، والنصب غير مصورة.

                                                                                                                                                                                                                                      ويجوز أن يكون جمع (نصاب) ، ويجوز أن يكون واحدا يجمع على (أنصاب) .

                                                                                                                                                                                                                                      وأن تستقسموا بالأزلام أي : وأن تطلبوا علم ما قسم لكم بالأزلام.

                                                                                                                                                                                                                                      المبرد: (الاستقسام) : إلزامهم أنفسهم بما تأمرهم به القداح; فهو كالقسم.

                                                                                                                                                                                                                                      وواحد (الأزلام) : (زلم) ، وقيل : (زلم) ، وهي - فيما روي عن الحسن وغيره - : ثلاثة قداح، كان على الأول: أمرني ربي، وعلى الثاني: نهاني ربي، والثالث غفل لا شيء عليه، وهو المنيح، فإن خرج المكتوب عليه; فعل ما أمره به، وإن خرج الغفل; أعاد الضرب.

                                                                                                                                                                                                                                      سعيد بن جبير: كانت الأزلام حصى بيضاء، وذكر الطبري عن سفيان بن وكيع: أنها الشطرنج .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 404 ] ذلكم فسق أي: خروج عن أمر الله عز وجل.

                                                                                                                                                                                                                                      اليوم يئس الذين كفروا من دينكم أي: يئسوا أن ترتدوا إلى دينهم.

                                                                                                                                                                                                                                      و (اليوم) الذي ذكر ههنا في قول ابن عباس ، ومجاهد، وغيرهما : هو يوم عرفة ، قال ابن عباس : وكان يوم الجمعة.

                                                                                                                                                                                                                                      الحسن : (اليوم) : زمان النبي صلى الله عليه وسلم كله.

                                                                                                                                                                                                                                      فمن اضطر في مخمصة : (المخمصة) : ضمور البطن من الجوع، عن ابن عباس ، وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      و (المتجانف) : المتمايل، قال ابن عباس ، ومجاهد ، وغيرهما: غير متجانف لإثم : غير متعمد لإثم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: قل أحل لكم الطيبات يعني: الحلال.

                                                                                                                                                                                                                                      وما علمتم من الجوارح مكلبين أي : وصيد ما علمتم.

                                                                                                                                                                                                                                      و (الجوارح) : الكواسب للصيد; من السباع، والكلاب، عن مجاهد، وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      (مكلبين) يعني: أصحاب كلاب; فصيد الكلب المعلم حلال بإجماع.

                                                                                                                                                                                                                                      وقد روي عن الحسن، والنخعي ، وغيرهما: كراهة صيد الكلب الأسود، [ ص: 405 ] وأباحه أكثر العلماء.

                                                                                                                                                                                                                                      ومذهب مالك ، والشافعي، وغيرهما: أن هذه الآية يدخل فيها مع الكلاب المعلمة: البزاة، والصقور، والفهود، وكل ما علم للصيد.

                                                                                                                                                                                                                                      وروي عن مجاهد باختلاف عنه: أنه منع صيد غير الكلاب.

                                                                                                                                                                                                                                      والكلب المعلم عند مالك : الذي إذا أرسله; ذهب، وإذا دعاه; جاء.

                                                                                                                                                                                                                                      الشافعي : هو الذي إذا أشلى; استشلى ، وإذا أخذ; حبس، فإذا فعل هذا مرة بعد مرة; فهو معلم.

                                                                                                                                                                                                                                      أبو يوسف، ومحمد بن الحسن، وأصحابه : إذا أجابه حين يدعوه، وأرسله على الصيد، وفعل ذلك مرتين فلم يأكل، ثم صاد الثالثة فلم يأكل; فهو معلم يؤكل صيده; فالتعليم عندهم ثلاث مرات على هذا الوصف، ولم يؤقت أبو حنيفة فيه توقيتا.

                                                                                                                                                                                                                                      ويؤكل صيد الكلب عند مالك ، أكل من الصيد أو لم يأكل، وكره أبو [ ص: 406 ] حنيفة، والشافعي، وغيرهم، أكل الصيد يأكل منه الكلب، وكره الشعبي والثوري أكله إذا شرب الكلب من دمه.

                                                                                                                                                                                                                                      وإذا أدرك الصيد حيا، فأمكنه أن يذبحه، فلم يفعل حتى مات; لم يؤكل في قول مالك ، والشافعي، وغيرهما.

                                                                                                                                                                                                                                      أبو حنيفة، وأصحابه : إذا صار حيا في يده; فلا يأكله حتى يذكيه وإن لم يقدر على تذكيته.

                                                                                                                                                                                                                                      النخعي، والحسن: يرسل عليه الكلاب حتى تقتله.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه : (ذكر اسم الله عليه) : يكون عند الإرسال، وقيل : عند الأكل، فإن ترك التسمية ناسيا; فلا شيء عليه، وإن تركها عامدا; لم يؤكل.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم : تقدم القول في ذبائح أهل الكتاب في (البقرة) ، فأما السامرة والصابئون; فروي عن عمر ـ رضي الله عنه ـ أنه قال في السامرة: هم قوم من أهل الكتاب، ذبائحهم ذبائح أهل الكتاب.

                                                                                                                                                                                                                                      وعن ابن عباس : أنه لم يحل أكل ذبائح الصابئين، ولا نكاح نسائهم.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 407 ] وقال أبو حنيفة : لا بأس بأكل ذبائحهم.

                                                                                                                                                                                                                                      الشافعي: إن كانت السامرة والصابئون من بني إسرائيل، ودانوا بدين اليهود والنصارى; نكح نساؤهم، وأكلت ذبائحهم، وإن خالفوهم في أصل الدينونة; لم تؤكل ذبائحهم، ولم تنكح نساؤهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وكره كثير من العلماء \ أكل ذبائح نصارى بني تغلب، روي ذلك عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وغيره، وهو قول الشافعي.

                                                                                                                                                                                                                                      وأرخص في أكل ذبائحهم ابن عباس وغيره ، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه.

                                                                                                                                                                                                                                      وتقدم القول في نكاح نساء أهل الكتاب .

                                                                                                                                                                                                                                      ولم ير مالك أكل صيد أهل الكتاب; لقول الله تعالى: تناله أيديكم ورماحكم ، وأباحه الشافعي، وأبو حنيفة، وغيرهما.

                                                                                                                                                                                                                                      وكره أكثر العلماء صيد المجوسي.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال أبو ثور: هو من أهل الكتاب، واختلف عنه في ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      وأرخص الشافعي، وأبو حنيفة، وغيرهما في أكل ما صاده المجوسي من الحيتان والجراد، وأرخص مالك في الحيتان، وكره الجراد.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 408 ] وأباح مالك، والشافعي، وأبو حنيفة، وغيرهم: أكل صيد الكلب الذي علمه اليهودي والنصراني والمجوسي إذا أرسله مسلم، وكرهه جابر بن عبد الله ، والحسن البصري، ومجاهد ، وغيرهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة الآية.

                                                                                                                                                                                                                                      قال زيد بن أسلم: المعنى: إذا قمتم من النوم، فالآية مخصوصة بكل من كان على غير طهارة، وهذا مذهب أهل المدينة.

                                                                                                                                                                                                                                      الشافعي: المعنى: إذا قمتم إلى الصلاة وقد أحدثتم.

                                                                                                                                                                                                                                      وعن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ أنها ندب لكل قائم إلى الصلاة وإن كان متوضئا، وكان علي ـ رضي الله عنه ـ يفعل ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      وأوجب عكرمة، وابن سيرين، وغيرهما: الوضوء على كل قائم إلى الصلاة وإن كان على وضوء بظاهر الآية.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : هي ناسخة لما روي عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من أنه كان إذا أحدث; لم يكلم أحدا حتى يتوضأ، فنسخ في ذلك بالوضوء عند إرادة الصلاة لا غير، وقال قوم: [ ص: 409 ] هي ناسخة لقوله: لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال ابن عمر: هي منسوخة بالتخفيف; يعني: ترك إيجاب الوضوء على

                                                                                                                                                                                                                                      من لم يحدث.

                                                                                                                                                                                                                                      وذهب قوم إلى أن ذلك ناسخ للمسح على الخفين، قال ابن عباس : لم

                                                                                                                                                                                                                                      يمسح النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعد نزول (سورة المائدة) على الخفين.

                                                                                                                                                                                                                                      وذكر الله ـ عز وجل ـ في هذه الآية بعض الأسباب الموجبة للوضوء، وجاء عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ والسلف الصالح أشياء توجب الوضوء; منها ما أجمع عليه، ومنها ما اختلف فيه، وقد ذكرت جملة من ذلك في "الكبير".

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية