[ ص: 453 ] القول في قوله تعالى: فمن تاب من بعد ظلمه إلى قوله: وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا ذلك بأنهم قوم لا يعقلون [الآيات: 39-58].
فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء والله على كل شيء قدير يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ومن الذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم سماعون للكذب أكالون للسحت فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين إنا أنـزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ومن لم يحكم بما أنـزل الله فأولئك هم الكافرون وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له ومن لم يحكم بما أنـزل الله فأولئك هم الظالمون وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين وليحكم أهل الإنجيل بما أنـزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنـزل الله فأولئك هم الفاسقون وأنـزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنـزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون وأن احكم بينهم بما أنـزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنـزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم .ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا ذلك بأنهم قوم لا يعقلون .
[ ص: 454 ] [ ص: 455 ] [الأحكام والنسخ]:
قوله تعالى: فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم : أجمع العلماء على أن واختلفوا في الذميين; فذهب بعضهم إلى أن الآية محكمة، وأن الحاكم مخير، روي ذلك عن على الحاكم أن يحكم بين المسلم والذمي، النخعي، وغيرهما، وهو مذهب والشعبي، مالك، وغيرهما، سوى ما روي عن والشافعي، في مالك فإنه قال: إقامة الحد على أهل الكتاب في الزنا، ;حد، ولا حد عليها; فإن إذا زنا المسلم بالكتابية فلا حد عليهما، وهذا مذهب كان الزانيان ذميين; أبي حنيفة، وغيرهما: [أنه لا حد على الذمي والذمية، وقد روي عن ومحمد بن الحسن، أيضا] أنه قال: يجلدان، ولا يرجمان، وقال أبي حنيفة الشافعي، وأبو ثور، وغيرهم: عليهما الحد إذا أتيا راضيين بحكمنا. وأبو يوسف،
وروي عن عمر بن عبد العزيز، وغيرهما: أن التخيير المذكور في الآية منسوخ بقوله: والنخعي، وأن احكم بينهم بما أنزل الله ، وأن على الحاكم أن يحكم بينهم، وهو مذهب عطاء الخراساني، وأصحابه، وغيرهم. وأبي حنيفة،
وقوله: وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس الآية: تقدم ذكر القصاص في النفس في (البقرة) [178].
وقوله: والعين بالعين : روي أن رضي الله عنه أمر في عليا بأن تحمى مرآة، ثم توضع على العين الأخرى قطنة، ثم تقرب المرآة من عينه [ ص: 456 ] حتى يسيل إنسانها. قصاص العين
وروي عن عثمان رضي الله عنهما: أنه لا قصاص على وعلي وعليه الدية، وقال الأعور إذا فقأ عين الصحيح، إن شاء فقأ عينه، وإن شاء أخذ دية عين أعور كاملة، وقال مالك: الشافعي، عليه القصاص، وروي ذلك عن وأبو حنيفة: رضي الله عنه أيضا، ومذهب علي مالك، وغيرهما: أن في عين الأعور الدية كاملة، ومذهب وابن حنبل، أبي حنيفة، نصف الدية. والشافعي:
ففيه القود عند وإذا كسر الأنف عمدا; وغيره. مالك،
قال وفي السن القود، الثنية بالثنية، والرباعية بالرباعية، العليا بالعليا، والسفلى بالسفلى، لا تقاد سن إلا بمثلها، فإن لم يكن لها مثل; فالعقل. مالك:
ولا قصاص في كل مخوف، ولا فيما لا يوصل إلى القصاص فيه إلا بأن يخطئ الضارب، أو يزيد، أو ينقص.
وهذا كله في العمد، فأما الخطأ; فقد ذكرنا في (الكبير) جملة من ديات الجراحات، والأعضاء، مما هو دون النفس، وديات النفس. ويقاد من جراحات العمد إذا كانت مما يمكن القود فيه،
[ ص: 457 ] وقوله: فمن تصدق به فهو كفارة له : (الهاء) في (له) تصلح أن تكون للولي، وتصلح أن تكون للمجروح، وتصلح أن تكون للجارح، والمعنى: من تصدق بأرش جرحه; هدم عنه من ذنوبه بمقدار ما تصدق به.
وقال في قوله: قتادة فهو كفارة له : يعني: لولي القتيل، وقال للجاني. زيد بن أسلم:
فيحتمل - على ما قدمناه - أن يكون (من) اسم المجروح، أو ولي الدم، و (الهاء) في (به): [لأرش الجرح، و (الهاء) في (له) للجارح.
ويحتمل أن يكون (من) اسم الجاني، و (الهاء) في (به) ]: للقتل، [أو الجرح، و (الهاء) في (له) للفاعل، والمعنى: من تصدق ببيان أنه الفاعل; فالإقرار كفارة للمقر، وهو قول مجاهد].