الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                                      التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

                                                                                                                                                                                                                                      المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      الإعراب:

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: لا تسألوا عن أشياء : أصل (أشياء) عند الخليل، وسيبويه: (شيآء) مثل: (فعلاء); فقلبت إلى (لفعاء); استثقالا لاجتماع الهمزتين، وامتنع من الصرف; لأنه في الأصل (فعلاء)، وهو اسم للجمع، الأخفش: أصلها:

                                                                                                                                                                                                                                      (أشيئاء)، فاجتمعت همزتان بينهما ألف، فقلبت الأولى، ياء; لانكسار ما قبلها، ثم حذفت الياء استخفافا، فواحد (أشياء) على هذا: (شيء); مثل: (فيعل)، فهو مثل: (هين)، و (أهوناء)، ويلزم على هذا أن يكون تصغيره: (شييآت)، ولم يسمع ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      الكسائي: لم تنصرف (أشياء); لشبه آخرها بآخر (حمراء)، وكثرة استعمالها، ووجه شبهها بـ (حمراء): أن العرب تقول: (أشياوات); مثل: (حمراوات)، ويلزم على هذا القول ألا تصرف (أسماء); لأنهم يقولون: (أسماوات).

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 539 ] وقال بعض الكوفيين: أصلها: (أشيئاء)، كقول الأخفش، إلا أن الواحد عندهم (شييء); كـ (صديق)، و (أصدقاء)، فأعل في الواحد; لكثرة الاستعمال، وأعل في الجمع، كما أعل في الواحد، ولم ينصرف; لهمزة التأنيث.

                                                                                                                                                                                                                                      أبو حاتم: (أشيآء): (أفعال)، وترك الصرف فيه سماع.

                                                                                                                                                                                                                                      والقول في كسر السين من (سألها); كالقول في: (سألتم) في (البقرة).

                                                                                                                                                                                                                                      (عليكم أنفسكم): نصب (أنفسكم) على تقدير: الزموا أنفسكم.

                                                                                                                                                                                                                                      (لا يضركم من ضل): يجوز أن يكون مرفوعا على معنى: ليس يضركم، ويجوز أن يكون نهيا، والضم إتباع.

                                                                                                                                                                                                                                      شهادة بينكم : من قرأ: (شهادة بينكم) [فـ (شهادة): ابتداء، و (بينكم): ظرف، والتقدير: شهادة بينكم] إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية شهادة اثنين، فحذف المضاف، أو يكون التقدير: عدد شهادة ما بينكم اثنان، فحذف المضاف إلى (شهادة)، و (ما): محذوفة، وهي إشارة إلى التشاجر.

                                                                                                                                                                                                                                      ويجوز أن يرتفع (اثنان) بفعلهما; على تقدير: ليكن منكم أن يشهد اثنان.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: إن قوله: (إذا حضر): خبر لـ(شهادة); لأنها مستأنفة، ليست [ ص: 540 ] واقعة لكل الخلق، و (اثنان) على هذا: رفع بفعلهما; أي: أن يشهد اثنان، ودل على ذلك الفعل (شهادة)، وتقدير قراءة الجماعة بالإضافة: (عدد شهادة بينكم شهادة اثنين)، أو: (يقيم الشهادة بينكم اثنان)، إلا أنه اتسع في (بين); فأضيف إليه المصدر.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ذوا عدل منكم : صفة لقوله: (اثنان)، وقوله: أو آخران من غيركم : تقديره: أو شهادة آخرين من غيركم، فـ (من غيركم): صفة لـ(آخرين).

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قرأ: (شهادة بينكم); بالنصب); فعلى تقدير: (ليشهد اثنان شهادة)، أو: (ليقم شهادة بينكم اثنان).

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت : اعتراض بين الموصوف وصفته، واستغني عن جواب الشرط بما تقدم من الكلام; وهو (شهادة بينكم); لأن معناه: ينبغي أن تشهدوا إذا حضر أحدكم الموت.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 541 ] والعامل في (إذا): (شهادة)، ولا تعمل فيها (الوصية); لأن المضاف إليه لا يعمل فيما قبل المضاف; لأنه لو عمل فيما قبله; للزم أن يقدر وقوعه في موضعه، فإذا قدر ذلك; لزم تقديم المضاف إليه على المضاف، و (الوصية) أيضا مصدر، فلا يتقدم ما عمل فيه عليه.

                                                                                                                                                                                                                                      والعامل في (حين الوصية): أسباب الموت، كما قال: حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن [النساء:18]; يعني: أسبابه، وقيل: إن العامل في (حين): (حضر)، كأنه قال: إذا حضر في هذا الحين، وقيل: هو بدل من (إذا); لأن الزمانيين واحد في المعنى، فيبدل منه، كما يبدل الشيء من الشيء إذا كان إياه، فيكون العامل في (حين) العامل في (إذا).

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: (فيقسمان بالله): (الفاء): عاطفة جملة على جملة، أو جواب جزاء لـ (إن).

                                                                                                                                                                                                                                      تحبسونهما معناه: احبسوهما، فهي جواب الأمر الذي دل عليه الكلام; كأنه قال: إذا حبستموهما أقسما.

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى إن ارتبتم : إن شككتم في قول الآخرين من غيركم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: لا نشتري به ثمنا : جواب لقوله: (فيقسمان); لأن (أقسم) يجاب بما يجاب به القسم، والهاء في (به) تعود على المعنى، والمعنى: لا نشتري بتحريف شهادتنا، أو على (الشهادة)، وذكرت; لأنها قول، ومعنى (لا نشتري به ثمنا) أي: ذا ثمن.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 542 ] وقوله: (ولا نكتم شهادة الله): وجه الإضافة ظاهر، وأضيفت الشهادة إلى الله تعالى; لأنه أمر بإقامتها.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قرأ: (ولا نكتم شهادة الله); بالوصل غير مستفهم; فعلى معنى: ولا نكتم الله شهادة.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قرأ: (شهادة آلله); فهمزة الاستفهام عوض من حرف القسم; يدل على ذلك: أنه لا يجمع بينهما; فيقال: (أو الله؟).

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قرأ: (شهادة ألله); بالقصر; فعلى حذف حرف القسم، حكى سيبويه: (ألله لقد كان كذا)، فيحذف حرف القسم، ولا يعوض منه همزة الاستفهام; لكثرة الاستعمال.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن أسكن الهاء من (شهادة); نوى الوقف عليها، ثم استأنف القسم.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قرأ: (شهادة الله) بالوصل، والجر، مع تنوين (شهادة); جاز أن [ ص: 543 ] يكون على تقدير إلقاء حركة الهمزة على التنوين، وحذفها، وينبغي أن يكون التنوين على هذا مفتوحا، ويجوز أن يكون التقدير: ولا نكتم شهادة والله، فحذف حرف القسم، وأعمل محذوفا، وكسر التنوين; لالتقاء الساكنين.

                                                                                                                                                                                                                                      فإن عثر على أنهما استحقا إثما أي: فإن عثر من إليه أمر الميت على أن الشاهدين اللذين [هما آخران من غيرنا استحقا إثما; فآخران يقومان مقامهما; أي: مقام الشاهدين اللذين] من غيرنا.

                                                                                                                                                                                                                                      فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان : يجوز أن يكون التقدير على هذه القراءة: (فالأوليان بأمر الميت آخران من أهله، أو من أهل دينه، يقومان مقام الخائنين اللذين عثر على خيانتهما)، فـ (الأوليان) على هذا: مبتدأ مؤخر، فهو كقولك: (تميمي أنا)، ويجوز أن يكون (الأوليان) خبر مبتدأ محذوف; التقدير: فآخران يقومان مقامهما هما الأوليان، ويجوز أن يكون (الأوليان) بدلا من الضمير في (يقومان); كأنه قال: (فيقوم الأوليان)، ويجوز أن يكون (الأوليان) صفة لـ (آخرين); لأنه اختص حين وصف، فجاز وصفه - من أجل الاختصاص - بما توصف به المعارف.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 544 ] والذي يسند إليه (استحق) على هذه القراءة: يجوز أن يكون (الإيصاء)، أو (الوصية)، أو (الإثم)، أو الجار والمجرور، وجاز: (استحق عليهم الإثم); لأن آخذه يأثم في أخذه، فسمي إثما، كما سمي ما يؤخذ بغير حق: (مظلمة)، وكذلك قال سيبويه: (المظلمة): اسم ما أخذ منك، فكذلك سمي هذا المأخوذ باسم المصدر.

                                                                                                                                                                                                                                      ويحتمل (عليهم) ثلاثة أوجه:

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها: أن تكون (على) بمنزلة (من)، كأنه قال: استحق منهم الإثم، ومثله: الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون [المطففين: 2]; أي: من الناس.

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أن تكون بمنزلة (في)، فقامت مقام (على)، كما قامت (على) مقامها في قوله: جذوع النخل [طه: 71]; فالمعنى: استحق فيهم الإثم.

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث: أن تكون بمنزلة قولك: (استحق على زيد مال); أي: لزمه، ووجب عليه.

                                                                                                                                                                                                                                      ولا يجوز أن يسند (استحق) إلى قوله: (الأوليان); لأنهما لا يستحقان، إنما تستحق الوصية.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قرأ: (استحق عليهم الأولين); فالتقدير: من الأولين الذين استحق عليهم الإيصاء، أو الإثم، على ما تقدم، وقيل لهم: (أولين); لأنهم ذكروا أولا في قوله: (ذوا عدل منكم)، وكذلك القول في قراءة من قرأ: (من الذين استحق عليهم الأولين); بالتثنية.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 545 ] ومن قرأ: (استحق عليهم الأوليان); فـ (الأوليان) فاعل (استحق)، والمفعول محذوف، والتقدير: من الذين استحق عليهم الأوليان بالميت وصيته التي أوصى بها، وكذلك قراءة من قرأ: (استحق عليهم الأولان); على أنه تثنية (أول)، وسميا (أولين); لأنهما ذكرا أولا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله:(فيقسمان بالله) أي: يقسم الآخران اللذان يقومان مقام الشاهدين اللذين هما آخران من غيرنا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: لشهادتنا أحق من شهادتهما متلقى به قوله: (فيقسمان بالله).

                                                                                                                                                                                                                                      (وما اعتدينا) أي: وما اعتدينا فيما قلناه: إن شهادتنا أحق من شهادتهما.

                                                                                                                                                                                                                                      وقد خرجنا في بسط إعراب هذه الآية عما بنينا عليه هذا الاختصار; لغموضها، وأعدنا كثيرا من المعاني; إذ بها يعرف الإعراب.

                                                                                                                                                                                                                                      يوم يجمع الله الرسل : انتصب (يوم) على تقدير: اتقوا يوم يجمع الله الرسل، [أو اذكروا يوم يجمع الله الرسل].

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 546 ] ومن قرأ: إن هذا إلا سحر مبين ; فالمعنى: إن هذا الذي جئت به إلا سحر بين، ومن قرأ: (ساحر); أشار به إلى الشخص; وهو عيسى عليه السلام، وقد يأتي (ساحر) مصدرا، فيكون مثل: (العاقبة)، وشبهها، قال أبو عمرو: إذا كان بعده (مبين); فهو (سحر)، وإذا كان بعده (عليم); فهو (ساحر).

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: يا عيسى ابن مريم : يجوز أن يكون (عيسى) في موضع نصب، كما تقول: (يا زيد بن عمرو)، وهو الاختيار في (ابن) إذا أضيف إلى اسم معرفة علم، أو إلى كنية معروفة، ويجوز أن يكون موضع (عيسى) ضما على أنه نداء، نادى (عيسى)، ثم نادى (ابن مريم) نداء ثانيا، ولا يجوز الرفع في (ابن مريم) في قول أكثر النحويين.

                                                                                                                                                                                                                                      وتقدم القول في: هل يستطيع ربك .

                                                                                                                                                                                                                                      تكون لنا عيدا لأولنا : (تكون): نعت لـ (المائدة)، ولو قرئ:

                                                                                                                                                                                                                                      (تكن) على الجواب; لجاز، وقد حكي ذلك عن بعض القراء، ولم نروه.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 547 ] ومن قرأ: (لأولانا وأخرانا); فهو كمعنى قراءة من قرأ: (لأولنا وآخرنا)، وهو مؤنث (أول) و (آخر).

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: (أن اعبدوا الله): يجوز أن تكون (أن) مفسرة، ويجوز أن يكون موضعها جرا على البدل من الهاء في (به)، ويجوز أن يكون موضعها نصبا على البدل من (ما); المعنى: ما قلت لهم شيئا إلا عبادة الله.

                                                                                                                                                                                                                                      ما دمت فيهم : ظرف.

                                                                                                                                                                                                                                      (هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم): من رفع; فـ (هذا): مبتدأ، و (يوم): خبره، [وهو هو، و (يوم): مضاف إلى (ينفع) ].

                                                                                                                                                                                                                                      ومن نصب; جاز أن يكون (هذا) نصبا بأنه مفعول القول، و (يوم): ظرفا للقول، والتقدير: قال الله هذا القول في يوم ينفع الصادقين صدقهم.

                                                                                                                                                                                                                                      ويجوز أن يكون (هذا) في موضع رفع بالابتداء، و (يوم): خبر الابتداء، والعامل فيه محذوف، والتقدير: قال الله: هذا الذي قصصناه يقع يوم ينفع [ ص: 548 ] الصادقين صدقهم.

                                                                                                                                                                                                                                      ويجوز أن يكون (يوم) خبرا عن (هذا); لأنه مشار به إلى حدث، ويكون منصوبا، ولا يكون مبنيا; لأن ظروف الزمان تكون أخبارا عن الأحداث.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية