وأما أحكام الجمعة، فهي وشرطها: الأبنية، أو قربها بالاتفاق، واشترط أبو حنيفة أن يكون بها أمير وقاض ينفذ الأحكام ويقيم الحدود، زاد بعضهم: وعالم يرجع إليه في الحوادث، ويشترط إذن الإمام فيها عند ركعتان فرض على كل ذكر مكلف حر صحيح مقيم بالاتفاق، خلافا للثلاثة، ويشترط حضور أربعين ممن تلزمه عند أبي حنيفة؛ الشافعي وعند وأحمد، أبي حنيفة ثلاثة سوى الإمام، وعند ومحمد بن الحسن اثنان سوى الإمام، وعند أبي يوسف مالك ليس للجماعة التي تنعقد بهم الجمعة حد محصور، عند وأول وقتها وقت صلاة العيد، وعند [ ص: 56 ] الثلاثة وقت الزوال، وآخره آخر وقت الظهر بالاتفاق، وعن أحمد يمتد إلى الغروب؛ بناء على أن وقت العصر والظهر عنده واحد. مالك
وإذا سقطت الجمعة عمن حضر العيد مع الإمام سقوط حضور لا وجوب؛ كمريض، إلا الإمام، فإن اجتمع معه العدد المعتبر، أقامها، وإلا صلوا ظهرا. وقع عيد يوم الجمعة،
وتسقط صلاة العيد بصلاة الجمعة، سواء فعلت قبل الزوال أو بعده عند أحمد؛ خلافا للثلاثة.
يجلس بينهما جلسة خفيفة عند الثلاثة، وعند وشرطها تقدم خطبتين بالاتفاق، ليست الجلسة شرطا، ويسلم الخطيب إذا صعد المنبر عند أبي حنيفة الشافعي وعند وأحمد، أبي حنيفة لا يسلم، ويستحب جلوسه للأذان، والقيام في الخطبة بالاتفاق. ومالك
وأول من استراح في الخطبة عثمان، وأول من جلس معاوية، وخطب جالسا.
والخطبة مشتقة من المخاطبة، والمنبر من نبر: إذا علا صوته، والخطيب يعلو صوته.
ومن حمد الله، والصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم، وقراءة آية، والوصية بالتقوى عند شرط صحة الخطبتين: الشافعي وعند وأحمد، أقله ما يسمى خطبة عند العرب، وفي مذهبه قول كالأول، وعند مالك لو اقتصر على ذكر الله أجزأه، وكذلك التسبيحة ونحوها، وعند صاحبيه لا بد من ذكر طويل يسمى خطبة. [ ص: 57 ] أبي حنيفة
عند وتشترط لهما الطهارة من الحدث والخبث خلافا للثلاثة، ولا يشترط أن يتولاهما من يتولى الصلاة عند الشافعي، وعند أبي حنيفة يجوز للعذر، وعند أحمد، مالك إذا والشافعي واشترط أحدث بين الخطبة والصلاة، استخلف في الصلاة، أن يكون سمع الخطبة؛ لأن من لم يسمعها ليس من أهل الجمعة، ولم يشترطه مالك. الشافعي
ويجهر في الركعتين بالاتفاق.
ويجوز عند الشافعي أكثر من جمعة إن احتيج إليه، وإلا، فالأولى الصحيحة، وهي السابقة بتكبيرة الإحرام، فإن جهلت، أو تساوتا، بطلتا، وعند وأحمد لا يجوز إلا في موضع واحد، وعند أبي حنيفة محمد بن الحسن تصح في موضعين وثلاثة، وعند لا يصلى في مصر واحد في مسجدين، فإن فعلوا، فالصحيحة صلاة أهل المسجد العتيق. مالك
ويحرم إذا كان منه بحيث يسمعه عند الكلام والإمام يخطب الشافعي.
وعند وأحمد، أبي حنيفة يسكت ولو كان بعيدا. ومالك
ويكره الذي عند المنبر عند البيع والشراء ممن تلزمه الجمع بعد ندائها ولا يفسد به البيع، وقال الثلاثة: يحرم، فلو باع، صح بيعه عند أبي حنيفة، خلافا الشافعي لمالك ويصح عند وأحمد، أحمد خلافا لمالك؛ فإن النكاح والإجارة عنده كالبيع. النكاح وسائر العقود غير البيع؛
وإذا انفضوا قبل إتمامها، استأنفوها ظهرا عند الشافعي وعند وأحمد، أبي حنيفة إن انفضوا بعد أن صلوا ركعة بسجدتيها، ولم يبق أحد غير الإمام، ولم يجد من يجمعها معه، بنى عليها ركعة، وصحت صلاته جمعة، وإن انفضوا عنه قبل أن يفرغ من الركعة الأولى، يتم ظهرا أربعا، [ ص: 58 ] وعند ومالك أبي يوسف ومحمد إن انفضوا عنه بعد تكبيرة الإحرام، صلى جمعة.
ومن بالاتفاق، ومن أدرك أقل من ذلك، أتمها ظهرا إن كان قد نوى الظهر عند أدرك مع الإمام ركعة، أتمها جمعة مالك وعند وأحمد، يتمها ظهرا، لكن ينوي في اقتدائه الجمعة، وأحمد يشترط دخول وقت الظهر احترازا عمن يصليها قبل وقت الزوال على قاعدته، وعند الشافعي أبي حنيفة وأبي يوسف إذا أدرك التشهد، يتمها جمعة، وعند محمد يتمها أربعا ظهرا.
ويسن الغسل لها، وقراءة سورة الكهف في يومها وليلتها.
وتقدم اختلاف الأئمة في قراءة السجدة، و هل أتى على الإنسان في صبحها في سورة الم السجدة، ويستحب أن يكثر الدعاء في يومها، وأفضله بعد العصر؛ لساعة الإجابة.
وفي الحديث: "ما طلعت شمس ولا غربت علي أفضل من يوم الجمعة، فيه ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يدعو الله فيها خيرا إلا استجاب الله له، أو يستعيذ من شيء إلا أعاذه الله منه".
قال الإمام أكثر الأحاديث في أحمد: أنها بعد العصر، وترجى بعد زوال الشمس. الساعة التي ترجى فيها الإجابة
وذكر الحافظ ابن حجر -رحمه الله- في "شرح البخاري" فيها ثلاثة وأربعين قولا، ولخصها صاحب "الإنصاف" فيه، الأول: قيل: رفعت، الثاني: موجودة في جمعة واحدة في كل سنة، الثالث: مخفية في جميع [ ص: 59 ] اليوم، الرابع: تنتقل في يومها، ولا يلزم ساعة معينة، لا ظاهرة ولا مخفية، الخامس: إذا أذن لصلاة الغداة، السادس: من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، السابع: مثله، وزاد: من العصر إلى الغروب، الثامن: مثله، وزاد: ما بين أن ينزل الإمام من المنبر إلى أن يكبر، التاسع: أول ساعة بعد طلوع الشمس، العاشر: عند طلوعها، الحادي عشر: في آخر الساعة الثالثة من النهار، الثاني عشر: من الزوال إلى أن يصير الظل نصف ذراع، الثالث عشر: مثله إلى أن يصير الظل ذراعا، الرابع عشر: بعد الزوال بشبر إلى ذراع، الخامس عشر: إذا زالت الشمس، السادس عشر: إذا أذن المؤذن لصلاة الجمعة، السابع عشر: من الزوال إلى أن يدخل في الصلاة، الثامن عشر: من الزوال إلى خروج الإمام، التاسع عشر: ما بين خروج الإمام إلى أن تقام الصلاة، العشرون: ما بين خروجه إلى أن تنقضي الصلاة، الحادي والعشرون: ما بين تحريم البيع إلى حله، الثاني والعشرون: ما بين الأذان إلى انقضاء الصلاة، الثالث والعشرون: ما بين أن يجلس على المنبر إلى انقضاء الصلاة، الرابع والعشرون: عند خروج الإمام، الخامس والعشرون: عند التأذين والإقامة وتكبير الإمام، السادس والعشرون: مثله، لكن قال: إذا أذن، وإذا رقي المنبر، وإذا أقيمت الصلاة، السابع والعشرون: من حين يفتتح الخطبة حتى يفرغها، الثامن والعشرون: إذا بلغ الخطيب المنبر وأخذ في الخطبة، التاسع والعشرون: عند الجلوس بين الخطبتين، الثلاثون: عند نزوله عن المنبر، الحادي والثلاثون: حين تقام حتى يقوم الإمام في مقامه، الثاني والثلاثون: من إقامة الصلاة إلى إتمام الصلاة، الثالث والثلاثون: وقت قراءة الإمام الفاتحة إلى أن يقول: آمين، الرابع والثلاثون: من الزوال إلى [ ص: 60 ] المغرب، الخامس والثلاثون: من صلاة العصر إلى غروب الشمس، السادس والثلاثون: في صلاة العصر، السابع والثلاثون: بعد العصر إلى آخر وقت الاختيار، الثامن والثلاثون: بعد العصر مطلقا، التاسع والثلاثون: من وسط النهار إلى قرب آخره، الأربعون: من اصفرار الشمس إلى أن تغيب، الحادي والأربعون: آخر ساعة بعد العصر، الثاني والأربعون: من حين يغيب نصف قرصها، أو من حين تتدلى للغروب إلى أن يتكامل غروبها، الثالث والأربعون: هي الساعة التي كان -عليه أفضل الصلاة والسلام- يصليها فيها.
قال الحافظ -رحمه الله: وليست كلها متغايرة من كل وجه، بل كثير منها يمكن أن يتحد مع غيره، وليس المراد من أكثرها أنها تستوعب جميع الوقت الذي عين، بل المعنى أنها تكون في أثنائه، والله أعلم. [ ص: 61 ]