سورة النصر
مدنية، وآيها: ثلاث آيات، وحروفها: تسعة وسبعون حرفا، وكلمها: تسع عشرة كلمة.
بسم الله الرحمن الرحيم
لما صالح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قريشا عام الحديبية على وضع الحرب على الناس عشر سنين كما تقدم في سورة الفتح، دخل بنو بكر بن عبد مناف في عقد قريش، ودخل بنو خزاعة في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم، وكانت بينهما حروب في الجاهلية، فعدت بنو بكر على خزاعة، وهم على ماء لهم بأسفل مكة يقال له: الوتير، وتظاهرت قريش مع بني بكر، وأعانوهم بالرجال والسلاح بعد أن وعدوهم، ووافوهم متنكرين، فبيتوا خزاعة ليلا، فقتلوا منهم عشرين، ثم ندمت قريش على ما فعلوا، وعلموا أن هذا نقض العهد الذي بينهم وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم، وخرج عمرو بن سالم الخزاعي في طائفة من قومه، فقدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مستعينين به، فوقف عمرو عليه وهو جالس في المسجد، وأنشده أبياتا يسأله أن ينصره، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: عمرو بن سالم"، ثم قدم "نصرت يا بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من خزاعة على النبي - صلى الله عليه وسلم، وأخبره، فقال: "كأنكم قد جاءكم يشد العقد، ويزيد في المدة"، فكان كذلك، ثم قدم بأبي سفيان أبو سفيان المدينة، فدخل [ ص: 451 ] على ابنته أم المؤمنين زوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم، فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله - صلى الله عليه وسلم، طوته عنه، فقال: ما أدري أرغبت بي عن هذا الفراش، أم رغبت به عني؟ قالت: بل هو فراش رسول الله - صلى الله عليه وسلم، وأنت رجل مشرك نجس، قال: والله لقد أصابك بعدي يا بنية شر. أم حبيبة
ثم خرج وأتى النبي - صلى الله عليه وسلم، فكلمه، فلم يرد عليه شيئا، فذهب إلى ثم إلى أبي بكر، ثم إلى عمر، -رضي الله عنهم- على أن يكلموا النبي - صلى الله عليه وسلم - في أمره، وتشفع بهم، فلم يفعلوا، فقال علي يا لعلي: إني أرى الأمور قد اشتدت علي، فانصحني، قال: والله لا أعلم شيئا يغني عنك، ولكنك سيد بني كنانة، فقم فأجر بين الناس، والحق بأرضك، قال: أوترى ذلك يغني عني شيئا؟ قال: لا والله ما أظن، ولكن لا أجد لك غير ذلك، فقام أبا الحسن! في المسجد فقال: أيها الناس! إني قد أجرت بين الناس، ثم ركب بعيره وانطلق. أبو سفيان
فلما قدم على قريش، قالوا: ما وراءك؟ فقص شأنه، وأنه قد أجار بين الناس، قالوا: فهل أجاز محمد ذلك؟ قال: لا، قالوا: والله إن زاد الرجل على أن لعب بك.
ثم أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالجهاد، وأمر أهله أن يجهزوه، ثم أعلم الناس أنه يريد مكة، وقال: "اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتهم في بلادهم"، ثم مضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لسفره، واستخلف على المدينة كلثوم بن الحصين الغفاري، فخرج لعشرة مضين من شهر رمضان، ومعه المهاجرون والأنصار، وطوائف من العرب، فكان جيشه عشرة آلاف، فصام وصام [ ص: 452 ] الناس معه، حتى إذا كان بالكديد، وهو الماء الذي بين قديد، أفطر، وبلغ ذلك قريشا، فخرج أبو سفيان بن حرب، وحكيم بن حزام، وبديل بن ورقاء يتجسسون الأخبار، وكان -رضي الله عنه- أسلم قديما، وكان يكتم إسلامه، فخرج بعياله مهاجرا، فلقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العباس بالجحفة، أو بذي الحليفة.
ثم حضر على يدي أبو سفيان إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد أن استأمن له، فأسلم هو العباس وحكيم وبديل، وممن أسلم يوم الفتح: وأخوه معاوية بن أبي سفيان، يزيد، وأمه هند بنت عتبة، وكان يقول: إنه أسلم يوم معاوية الحديبية، فكتم إسلامه من أبيه وأمه، وقال يا رسول الله! إن العباس: يحب الفخر، فاجعل له شيئا يكون في قومه، فقال: أبا سفيان أبي سفيان فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل دار حكيم بن حزام فهو آمن". "من دخل دار
ثم أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تركز راية سعد بن عبادة بالحجون لما بلغه أنه قال: اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الكعبة، فقال: ولكن هذا يوم يعظم الله فيه الكعبة، ويوم تكسى فيه الكعبة"، سعد، وأمر "كذب أن يدخل من أعلى خالد بن الوليد مكة من كداء في بعض الناس، وكل هؤلاء الجنود لم يقاتلوا؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن القتال؛ إلا أن لقيه جماعة من خالد بن الوليد قريش، فرموه بالنبل، ومنعوه من الدخول، فقاتلهم فقتل من المشركين ثمانية وعشرون رجلا، فلما ظهر النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذلك، قال: "ألم أنهه عن القتال؟"، فقالوا له: إن خالد، قوتل فقاتل، وقتل من المسلمين رجلان، ودخل النبي - صلى الله عليه وسلم - من كداء على ناقته وهو يقرأ سورة الفتح، يرجع. [ ص: 453 ] خالدا
وكان فتح مكة يوم الجمعة لعشر بقين من رمضان سنة ثمان من الهجرة الشريفة، وأقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة بعد فتحها خمس عشرة ليلة يقصر الصلاة، ثم خرج إلى هوازن وثقيف، وتقدم اختلاف الأئمة في حكم فتحها، هل هو صلح أو عنوة؟ في سورة الحج. وحكم بيع دورها
ولما دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة، كان على الكعبة ثلاث مئة وستون صنما، قد شد لهم إبليس أقدامها بالرصاص، فجاء ومعه قضيب، فجعل يومي إلى كل صنم منها، فيخر لوجهه، فيقول: وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا ، حتى مر عليها كلها، وكان على رأسه - صلى الله عليه وسلم - عمامة سوداء، فوقف على باب الكعبة وقال: يوسف: لا تثريب عليكم الآية [يوسف: 92]، ثم قال: "اذهبوا فأنتم الطلقاء"، فأعتقهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم، ثم طاف بالبيت سبعا على راحلته، واستلم الركن بمحجن كان في يده، ودخل الكعبة، ورأى فيها الشخوص على سورة الملائكة، وصورة "لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ألا إن كل مأثورة أو دم أو مال يدعى فهو تحت قدمي هاتين، إلا سدانة الكعبة، وسقاية الحاج"، ثم قال: "يا معشر قريش! ما ترون أني فاعل بكم؟ "، قالوا جميعا: خيرا، أخ كريم، وابن أخ كريم، فقال: "أقول كما قال أخي إبراهيم وفي يده الأزلام يستقسم بها، فقال: "قاتلهم الله! جعلوا شيخنا يستقسم بالأزلام، ما شأن إبراهيم والأزلام؟! "، ثم أمر بتلك الصور فطمست، وصلى في البيت، ثم جلس على الصفا، أسفل منه يأخذ على الناس، وبات الناس على السمع والطاعة لله ورسوله، [ ص: 454 ] فبايع الرجال ثم النساء، ولما جاء وقت الظهر، أذن وعمر بن الخطاب -رضي الله عنه- على ظهر الكعبة، وقام بلال -رضي الله عنه- ومفتاح الكعبة في يده فقال: يا رسول الله! اجمع لنا الحجابة مع السقاية صلى الله عليك، فقال - صلى الله عليه وسلم: علي "، فدعي له، فقال: "هاك مفتاحك يا عثمان بن طلحة؟ اليوم يوم بر ووفاء، وقال: خذوها تالدة خالدة، لا ينزعها منكم إلا ظالم، يا عثمان، إن الله استأمنكم على بيته، فكلوا مما يصل إليكم من هذا البيت بالمعروف". عثمان! "أين
* * *
إذا جاء نصر الله والفتح .
[1] قوله تعالى: إذا جاء نصر لك يا محمد على من عاداك وناوأك والفتح هو فتح مكة والطائف ومدن الحجاز وكثير من اليمن.
* * *