المقام الثاني في دفع العارض منه في أثناء العبادة ، وذلك لا بد من تعلمه أيضا ؛ فإن من جاهد نفسه ، وقلع مغارس الرياء من قلبه بالقناعة ، وقطع الطمع ، وإسقاط نفسه من أعين المخلوقين ، واستحقار مدح المخلوقين وذمهم ، ولا تنقطع عنه نزغاته وهوى النفس وميلها لا ينمحي بالكلية فلا بد وأن يتشمر لدفع ما يعرض من خاطر الرياء . فالشيطان لا يتركه في أثناء العبادات ، بل يعارضه بخطرات الرياء ،
وخواطر الرياء ، ثلاثة ، قد تخطر دفعة واحدة ، كالخاطر الواحد ، وقد تترادف على التدريج فالأول : العلم باطلاع الخلق ورجاء اطلاعهم .
ثم يتلوه هيجان الرغبة من النفس في حمدهم ، وحصول المنزلة عندهم .
ثم يتلوه هيجان الرغبة في قبول النفس له والركون إليه ، وعقد الضمير على تحقيقه .
فالأول معرفة .
والثاني حالة تسمى الشهوة والرغبة .
والثالث فعل يسمى العزم وتصميم العقد .
وإنما كمال القوة في دفع الخاطر الأول ورده قبل أن يتلوه الثاني ، فإذا خطر له معرفة اطلاع الخلق ، أو رجاء اطلاعهم دفع ذلك بأن قال مالك : وللخلق ، علموا أو لم يعلموا والله ، عالم بحالك فأي ، فائدة في علم غيره ؟! فإن هاجت الرغبة إلى لذة الحمد بذكر ما رسخ في قلبه من قبل من آفة الرياء ، وتعرضه للمقت عند الله في القيامة ، وخيبته في أحوج أوقاته إلى أعماله فكما أن معرفة اطلاع الناس تثير شهوة ورغبة في الرياء ، فمعرفة آفة الرياء تثير كراهة له تقابل تلك الشهوة ؛ إذ يتفكر في تعرضه لمقت الله وعقابه الأليم ، والشهوة تدعوه إلى القبول ، والكراهة تدعوه إلى الإباء ، والنفس تطاوع لا محالة أقواهما وأغلبهما .
فإذا : لا بد في
المعرفة والكراهة والإباء . رد الرياء من ثلاثة أمور :
وقد يشرع العبد في العبادة على عزم الإخلاص ، ثم يرد خاطر الرياء فيقبله ، ولا تحضره المعرفة ولا الكراهة التي كان الضمير منطويا عليها ، وإنما سبب ذلك امتلاء القلب بخوف الذم ، وحب الحمد ، واستيلاء الحرص عليه ، بحيث لا يبقى في القلب متسع لغيره فيعزب عن القلب المعرفة السابقة بآفات الرياء ، وشؤم عاقبته ؛ إذ لم يبق موضع في القلب خال عن شهوة الحمد أو خوف الذم ، وهو كالذي يحدث نفسه بالحلم وذم الغضب ، ويعزم على التحلم عند جريان سبب الغضب ، ثم يجري من الأسباب ما يشتد به غضبه ، فينسى سابقة عزمه ويمتلئ ، قلبه غيظا ، يمنع من تذكر آفة الغضب ويشغل قلبه ، عنه ، فكذلك حلاوة الشهوة تملأ القلب وتدفع ، نور المعرفة مثل مرارة الغضب .
وإليه أشار جابر بقوله : حنين .
حتى نودي : يا أصحاب الشجرة ، فرجعوا . « بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة على أن لا نفر ولم نبايعه على الموت ، فأنسيناها يوم
وذلك لأن القلوب امتلأت بالخوف ، فنسيت العهد السابق حتى ذكروا .