بيان ما ينبغي للمريد أن يلزم نفسه قبل العمل وبعده وفيه .
اعلم أن أولى ، ولا يقنع بعلم الله إلا من لا يخاف إلا الله ، ولا يرجو إلا الله ، فأما من خاف غيره وارتجاه اشتهى اطلاعه على محاسن أحواله فإن كان في هذه الرتبة فليلزم قلبه كراهة ذلك من جهة العقل والإيمان ؛ لما فيه من خطر التعرض للمقت وليراقب نفسه عند الطاعات العظيمة الشاقة التي لا يقدر عليها غيره ؛ فإن النفس عند ذلك تكاد تغلي حرصا على الإفشاء وتقول : مثل هذا العمل العظيم أو الخوف العظيم أو البكاء ، العظيم ، لو عرفه الخلق منك لسجدوا لك فما في الخلق من يقدر على مثله ، فكيف ترضى بإخفائه فيجهل الناس محلك وينكرون قدرك ، ويحرمون الاقتداء بك ؟! ففي مثل هذا الأمر ينبغي أن يثبت قدمه ، ويتذكر في مقابلة عظم عمله عظم ملك الآخرة ، ونعيم الجنة ودوامه أبد الآباد وعظم غضب الله ، ومقته على من طلب بطاعته ثوابا من عباده ، ويعلم أن إظهاره لغيره محبب إليه ، وسقوط عند الله وإحباط للعمل العظيم ، فيقول : وكيف أتبع مثل هذا العمل بحمد الخلق وهم عاجزون لا يقدرون لي على رزق ولا أجل ؟! فيلزم ذلك قلبه ولا ينبغي أن ييأس عنه ، فيقول : إنما يقدر على الإخلاص الأقوياء فأما المخلطون فليس ذلك من شأنهم ، فيترك المجاهدة في الإخلاص لأن المخلط إلى ذلك أحوج من المتقي ؛ لأن المتقي إن فسدت نوافله بقيت فرائضه كاملة تامة والمخلط لا تخلو فرائضه عن النقصان والحاجة إلى الجبران بالنوافل ، فإن لم تسلم صار مأخوذا بالفرائض ، وهلك به ، فالمخلط إلى الإخلاص أحوج . ما يلزم المريد قلبه في سائر أوقاته القناعة بعلم الله في جميع طاعاته
وقد روى تميم الداري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « يحاسب العبد يوم القيامة ، فإن نقص فرضه ، قيل : انظروا هل له من تطوع ، فإن كان له تطوع أكمل به فرضه ، وإن لم يكن له تطوع أخذ بطرفيه فألقي في النار .
فيأتي المخلط يوم القيامة وفرضه ناقص ، وعليه ذنوب كثيرة فاجتهاده في جبر الفرائض وتكفير السيئات ، ولا يمكن ذلك إلا بخلوص النوافل .