الوجه السابع عشر: أن قول القائل في جميع هذه المعاني الثابتة في حق الرب: أقصى ما في الباب أن يقول قائل: هي لازمة ذاتية لا تقبل الانفصال والزوال كلام فاسد، فإن هذا ليس أقصى ما في الباب، وليس هذا هو الفارق بين رب العالمين، وبين بعض مخلوقاته؛ بل بينهما من عدم التشابه والتماثل ما لا يدركه عقل عاقل، وما يتصور من قدر مشترك فيه نوع مشابهة ما فتلك من أبعد الأمور بعدا عن الحقيقة، بحيث لا يقتضي مماثلة بوجه من الوجوه، إذ هذه الأمور لا تقتضي مماثلة بين الوجودين المخلوقين؛ فأن لا تقتضي بين وجود الرب الخالق ووجود المخلوق أولى وأحرى، وهذا كقول القائل إذا كان حيا عالما قادرا، والعبد حيا عالما قادرا فقد ثبت أنه مركب أو أنه مماثل ونحو ذلك، أقصى ما في الباب أن ذلك تجب له هذه الأسماء، وهذا لا تجب له، أو أن يقول قائل: إذا كان موصوفا [ ص: 423 ] بالحياة والعلم والقدرة فقد ثبت التركيب، ولذا أقصى ما في الباب أن ذلك تجب له هذه الأسماء، وهذا لا تجب له، أو أن يقول قائل: إذا كان موصوفا بالحياة والعلم والقدرة فقد ثبت التركيب، أقصى ما في الباب أن يقال: تلك الصفات لازمة دون هذه، وكذلك سائر النظائر؛ بل هو مثل أن يقول القائل: إذا كان موجودا وهذه المشهودات موجودة فقد تماثلا في الحقيقة الوجودية، أقصى ما في الباب أن يقول: هذا واجب، وهذا ليس بواجب.
إذ العلم بحقيقة ذلك من خواص الرب سبحانه وتعالى لا يعلم ما هو إلا هو: وكل هذه المقاييس والأمثال المضروبة باطلة؛ فإن حقيقة ذات الله تعالى التي هي ليس بينها وبين غيرها من الحقائق تماثل بوجه من الوجوه، بل كل ما يعلم من التباين بين موجود [وموجود]: فالتباين الذي بين الله وبين خلقه أعظم من ذلك، بما لا يقدر قدره إلا الله؛ لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير [الأنعام: 103].