الوجه الثامن عشر: بل ما ثبت لغيره من صفات الحمد والثناء فهو / أحق به وأولى، ولا يكون مماثلا لذلك الغير في ذلك النفي والتنزيه. أنا قدمنا غير مرة أن الله لا يضرب له المثل بغيره و[لا] يسوى بينه وبين غيره لا في نفي ولا في إثبات، بل هذا من الإشراك وجعل الأنداد والأكفاء له، وهذا من [ ص: 424 ] أعظم الأمور فسادا وتحريما في العقل والدين، وذلك أكبر الذنوب،
وقد ذكرنا أن مثل هذا القياس العقلي والمثل المضروب هو الذي يستعمل في باب الربوبية في كتاب الله وسنة رسوله وكلام سلف الأمة وأئمتها كما ذكره الله تعالى في باب التنزيه عن الشركاء والأولاد وغير ذلك، ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: وهذا المعنى جاء في أحاديث متعددة صحيحة، فقبول الاستيفاء من الإنسان عن غيره لما [ ص: 425 ] كان من باب العدل والإحسان كان الله أحق بالعدل والإحسان من العباد، وكان الذي يقضي عن غيره حق المخلوق هو أحق بأن يقضي عنه حق الخالق من جهتين: من جهة أن حق الخالق أعظم، ومن جهة أنه أعدل وأرحم، ونظير ذلك في جانب النفي ما رواه "أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته أكان يجزئ عنه؟ قال: نعم، قال: فاقضوا الله، فالله أحق بالقضاء". في مسنده أنهم لما فاتتهم الصلاة سألوه هل يقضونها مرتين فقال: الإمام أحمد يقول إنه نهى عن الربا لما فيه من الظلم وهو المعاوضة عن الشيء بما هو أكبر منه في الديون الثابتة في الذمة بعوض أو غيره وهو أحق بتنزيهه عن الظلم من عباده، وكذلك الأمثال والمقاييس التي تضرب في عمل العبد له مثل طاعته وعبادته وشكره وخوفه ورجائه والاستحياء منه وغير ذلك، "أينهاكم [ربكم] عن الربا ويقبله منكم؟" لما قال فإذا كان أحدنا خاليا قال: "فالله [ ص: 426 ] أحق [أن] يستحيى منه من الناس"، لبهز بن حكيم ومثل قوله في القرآن: كقول النبي صلى الله عليه وسلم والله ورسوله أحق أن يرضوه [التوبة: 62] فالأمثال تضرب تارة لما يوصف به من الصفات والأفعال، وهو الحق الموجود، وتارة لما يؤمر به الإنسان من الأعمال، وهو الحق المقصود، وقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح فيه قياس الأولى لكن من باب التصور، وقد يستعمل من باب [ ص: 427 ] التصديق بأن يقال: إذا كانت هذه لكونها كانت سببا في وجود هذا، فيها هذه الرحمة، فالرب الخالق لكل شيء ووجود كل شيء منه أحق بأن يكون رحيما بذلك. لما رأى امرأة من السبي لما رأت طفلا أخذته فأرضعته: "أترون هذه طارحة ولدها في النار؟ قالوا: لا يا رسول الله، قال: لله أرحم بعباده من هذه بولدها"