قال في رده على الإمام عثمان بن سعيد الدارمي وأتباعه المريسي الجهمية قال: ولتصنع على عيني [طه: 39] واصنع الفلك بأعيننا [هود: 37] واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا [الطور: 48].
قال المعارض: والمعقول بين أن هذا يريد عين القوم يعني رئيسهم وكبيرهم، ولا يريد جارحا، ولكن يريد الذي يجوز في الكلام. "وادعى المعارض أيضا أن قوما زعموا أن لله عينا، يريدون جارحا كجارح العين من الإنسان، وأرادوا التركيب واحتجوا بقوله:
وقال في قوله: ابن عباس فإنك بأعيننا يقول: في كلاءتنا وحفظنا، ألا ترى إلى قول القائل: عين الله عليك، يقول: [ ص: 512 ] أنت في حفظ الله وكلاءته.
قال: "فيقال لهذا المعارض: أما ما ادعيت أن قوما يزعمون أن لله عينا فإنا نقوله، لأن الله قاله ورسوله" وأما جارح كجارح العين من الإنسان على التركيب فهذا كذب ادعيته علينا عمدا لما أنك تعلم أحدا لا يقوله غير أنك لا تألو ما شنعت ليكون أنجع / لضلالك في قلوب الجهال، والكذب لا يصلح منه جد ولا هزل، فمن أي الناس سمعت أنه جارح مركب؟ فأشر إليه، فإن قائله كافر، فلم تكرر قولك جسم مركب، وأعضاء وجوارح وأجزاء كأنك تهول بهذا التشنيع علينا أن نكف عن وصف الله بما وصف نفسه في كتابه وما وصفه به الرسول صلى الله عليه وسلم، ونحن وإن لم نصف الله بجسم كأجسام المخلوقين ولا بعضو ولا بجارحة؛ لكنا نصفه بما يغيظك من [ ص: 513 ] هذه الصفات التي أنت ودعاتك لها منكرون.
كما وصفه الرسول في دعائه حين يقول: فنقول: إنه الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، ذو الوجه الكريم، والسمع السميع، والبصر البصير، نور السموات والأرض وكما قال أيضا: "اللهم أنت نور السموات والأرض" وكما قال "نور أنى أراه" "نور السموات والأرض من نور وجهه". ابن مسعود:
والنور لا يخلو من أن يكون له إضاءة واستنارة ومرأى ومنظر، وأنه يدرك يومئذ بحاسة النظر إذا كشف عنه الحجاب كما يدرك الشمس والقمر في الدنيا، وإنما احتجب الله عن أعين الناس في الدنيا رحمة لهم، لأنه لو تجلى في الدنيا لهذه الأعين المخلوقة الفانية لصارت دكا، وما احتملت النظر إلى الله تعالى لأنها أبصار خلقت للفناء، لا تحتمل نور البقاء، فإذا كان يوم القيامة ركبت الأبصار للبقاء فاحتملت النظر إلى نور البقاء.
[ ص: 514 ] وأما تفسيرك عن [في قوله: ابن عباس فإنك بأعيننا أنه قال: بحفظنا وكلاءتنا. فإن صح قولك عن فمعناه الذي ادعينا لا ما ادعيت أنت، نقول بحفظنا وكلاءتنا: بأعيننا، فإنه لا يجوز في كلام العرب أن يوصف أحد بكلاءة إلا وذلك الكالئ من ذوي الأعين، فإن جهلت فسم شيئا من غير ذوي الأعين يوصف بالكلاءة، وإنما أصل الكلاءة من جهة النظر، وقد يكون الرجل كالئا من غير نظر ولكنه لا يخلو أن يكون من ذوي الأعين، وكذلك معنى قولك: عين الله عليك، فافهم، وقد فسرنا بعض هذا الكلام في صدر كتابنا غير أنك أعدته لحاجة فيك اغتياظا على من يؤمن برؤية الله تعالى يوم القيامة". ابن عباس]