الوجه التاسع الجهمية بعد اشتراكهم في أن الله ليس فوق العرش، وأنه ليس خارج العالم، اختلفوا فقالوا ما يمكن أن يخطر بالبال من الأقوال. أن
والممكن أن يقال: إما أن يكون في كل مكان، أو هو جسم بقدر العالم، أو هو جسم فاضل عن العالم متناه، أو هو في كل مكان وليس بجسم، أو يقال: إنه في كل مكان بذاته، وهو مع ذلك فوق العرش وليس بجسم، أو يقال: ليس لمساحته نهاية ولا غاية وهو ذاهب في الجهات الست، وليس بجسم. أو يقال: هو مع ذلك جسم، أو يقال: ليس داخل العالم ولا خارجه. وهذه الأقوال قد ذكرها أرباب المقالات كما تقدم ذلك.
[ ص: 40 ] وإذا كان كذلك فهؤلاء الذين يقولون هو في كل مكان بذاته وليس مع ذلك خارج العالم، أو هو مع ذلك خارج العالم ببعد متناه، أو أنه لا نهاية له، سواء قالوا هو جسم، أو قالوا ليس بجسم، أو قالوا ليس داخل العالم ولا خارجه. فهذه الأقوال السبعة يقابل بعضها بعضا كما تراه، وهم كما قال "مختلفون في الكتاب، مخالفون للكتاب، مجمعون على مفارقة الكتاب". وهم مع ذلك لابد أن يقولوا هو مخالف للعالم في حقيقته؛ ليست حقيقته مثل حقيقة العالم كما تقدم، وأنه متقدم عليه أيضا، فهم يثبتون المباينة بالحقيقة والزمان، وأما المباينة بالجهة فلا يثبتها أحد منهم؛ لكن منهم [ ص: 41 ] من ينفي المحايثة، ومنهم من لا ينفيها بل يثبت المحايثة للعالم؛ فمن نفى المحايثة للعالم لزمه أن يثبت المباينة بالجهة، وإلا جمع بين النقيضين، ولم يمكن أن ينفي المحايثة مع نفي المباينة بالجهة كما تقدم. ومن أثبت المحايثة لم يجعله مباينا للعالم بالجهة، بل غايته أن يجعل مباينته للعالم بالحقيقة والزمان، وهذه المباينة تثبت للجوهر مع عرضه، ونحن نعلم بالاضطرار أن مباينة الله للمخلوق أعظم من مباينة المخلوق بعضه لبعض، ومن مباينة الجوهر للعرض؛ فكل من هؤلاء لابد أن يجحد الضرورة العقلية. الإمام أحمد: