وهذا كثير في أرباب الأحوال المتأخرين من هذه الأمة، وهم في هذه الأمور خارجون عن سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسنة خلفائه الراشدين، بمنزلة خروج من خرج من ولاة الأمور في السياسات الظاهرة عن طريقة الخلفاء إلى نوع من الملك في العقوبات وفي الولايات وفي الأعطية، فإن تصرف هذا وهذا ببغضه للحرمات من جنس واحد، لكن هذا بباطنه وهذا بظاهره، وكذلك عطاء هذا وهذا برحمته للعباد من جنس واحد، ثم كل منهما قد يكون مقصوده الرئاسة إما الباطنة وإما [ ص: 21 ] الظاهرة، وقد يكون مقصوده الديانة، وإنما تصرف بحاله لا بالأمر.
وهذا باب عظيم ننبه عليه في مواضع، وإنما أشرنا إليه هنا لما ذكرنا محبة الهوى التي لم تتقيد بالعلم والأمر، وإن كانت محبة الله إذا لم تكن منهيا عنها، ولهذا قالت:
فكشفك للحجب حتى أراكا
أي هذا الحب يستدعي طلب الرؤية كما طلبها من طلبها في الدنيا.وأما المحبة الثانية فهي العبودية المحضة للذي يحبه لذاته، فلا يفعل إلا ما أمر به، ولا يطلب إلا ما أمر به، ولا يستحق شيء أن يحب لذاته إلا الله، فإنه لا إله إلا الله، والإله هو الذي يعبد لذاته، فلذلك قالت: لأنك أهل لذاكا، وقالت:
فشيء خصصت به عن سواكا.