الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
التقسيم الثاني: أن الشيء ليس له خارج عن نفسه علتان: علة فاعلة وعلة غائية، ويسمي الفقهاء الفاعلة السبب والموجب، ويسمون الغائية الحكمة والمراد والمقصود. أما المادة والصورة فذلك علتان للمركب في نفسه، فالمركب كالخاتم مثلا مركب من الفضة التي هي المادة، والصورة التي هي القالب ، وتسمية هذا عللا ليس من اللغة المعروفة ولا من المعروف في الفعل، وإنما هو اصطلاح لطائفة من النظار من المتفلسفة وغيرهم، وإنما العلة المعروفة ما كان مغايرا للمعلول، فالإنسان بعقل يفعل فعلا لمقصود، فهو الفاعل له، والمقصود هو الغاية المقصودة به، والعلة الغائية علة العلم وفاعلية العلة الفاعلية، فإنه لولا المقصود والفاعل لما فعل الفاعل، وهي [أول] في القصد آخر في الوجود والفعل. ولهذا قال تعالى: في أم الكتاب: إياك نعبد وإياك نستعين ، فإن الله سبحانه هو [ ص: 213 ] الإله المعبود بجميع الأعمال الصالحة، وهو الخالق الرب المعين عليها، فله الدعاء وحده لا شريك له دعاء العبادة والتأله لألوهيته، ودعاء السؤال والطلب لربوبيته الداخلة في ألوهيته. وهو رب العالمين وخالق كل شيء، ولهذا قال: فاعبده وتوكل عليه ، وقال: عليه توكلت وإليه أنيب ، وقال: عليه توكلت وإليه متاب .

إذا عرف ذلك فالعلل في اصطلاح الفقهاء في الدين والشريعة قد يراد بها الأسباب التي هي بمنزلة الفاعل، كما يقال: ملك النصاب سبب لوجوب الزكاة، والزنا سبب لوجوب الحد، والقتل العمد سبب لوجوب القود. وقد يراد بها الحكمة المقصودة التي هي الغاية، كما يقال: شرعت العقوبات للكف عن المحظورات، وشرعت الضمانات لإقامة العدل في النفوس والأموال، وشرعت العبادات لأن يعبد الله وحده لا شريك له، وشرع الجهاد لتكون كلمة الله هي العليا ويكون الدين كله لله.

وهذه الحكم والمصالح التي هي الغايات تكون مقصودة مرادة للشارع الآمر وللفاعل المطيع، ولكن تحصل بدون قصده، كما يحصل ثواب كثير من الأعمال الصالحة في الدنيا والآخرة لمن أطاع الله ورسوله في أفعال كثيرة، وإن كان لم يعلم ذلك فضلا عن أن [ ص: 214 ] يقصده.

التالي السابق


الخدمات العلمية